توترات إضافية تطرق أبواب تونس

تمسك النهضة بالشاهد رئيسا للحكومة رغم دعوة السبسي لاستقالته يعمق الأزمة السياسية في تونس ويثبت أن الرئيس لم يجن من تحالفه مع الإسلاميين سوى نقمة القوى المدنية.

تونس - في ظل تمسك حركة النهضة بيوسف الشاهد رئيسا للحكومة رغم مطالبة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي باستقالته، من جهة ورؤية المعارضة التي تعتبر السبسي جزء من الازمة وسط حالة من استنفار عدد من القياديين للعودة إلى الحزب تبدو تونس مرشحة للانفتاح على المزيد من التوترات السياسية.

وفيما مثل رفع السبسي غطاءه السياسي على الشاهد في حال استمرار الأزمة السياسية دافعا قويا لعدد من القيادات الندائية الغاضبة منها والسابقة مثل رضا بلحاج ومحسن مرزوق، انتهجت النهضة سياسة تحريض الشاهد على البقاء في مسعى إلى فرض موقفها.

وعلى الرغم من أن راشد الغنوشي كان صرح خلال الفترة الأخيرة بأن استئناف المفاوضات بشأن النقطة 64 من وثيقة قرطاج بصيغة جديدة إلا أن تلك التصريحات لم تكن سوى نوع من المناورة عمقت الخلاف بينها وبين بقية الأطراف.

ووفق مراقبين باتت النهضة تجاهر بنوع من جر قائد السبسي إلى جزء من الأزمة لا جزء من الحل خاصة بعد تجديد مكتبها التنفيذي التمسك بالشاهد على ألا يترشح للانتخابات الرئاسية والقادمة بل ودعوته إلى إضفاء المزيد من النجاعة على العمل الحكومي متجاهلة دعوة السبسي له بالاستقالة.

ورأى عدد من قيادات النداء أن ربط النهضة بقاء الشاهد بعدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة فتح المزيد من التوترات أكثر مما قدم خطوة باتجاه الحل ما فع بهم إلى التأكيد على أن الحركة الإسلامية خذلت الرئيس السبسي.

فقد حذر خالد شوكات من أن النهضة التي فسح لها السبسي المشاركة في الحكم وتحالف معها نكثت عهودها واختارت الخروج عن حالة الإجماع الوطني ستندم على سياسة تحريضها للشاهد في الوقت الذي تطالب فيه جميع الأطراف برحيله.

واعتبر شوكات أن السبسي ما انفك طيلة فترة الأزمة يوجه رسائل واضحة للحركة الإسلامية مفادها الانتصار للتجربة الديمقراطية في إطار الوحدة الوطنية غير أنها خذلته مشددا على أن "الرئيس لم يجن من تحالفه مع الإسلاميين سوى نقمة القوى المدنية".

وفي ظل الوعي بالتورات الجديدة سارع عدد من القيادات الندائية الغاضبة والسابقة إلى حشد جهودها قصد العودة للحزب في مسعى إلى محاصرة النهضة والشاهد معا.

قال رضا بالحاج المنشق عن النداء الجمعة "إن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يحاول السطو على نداء تونس مستعينا بحركة النهضة"معلنا استقالته من الحزب الذي أسسه "تونس أولا" والعودة إلى النداء.

واعتبر أن استقالته جاءت من أجل الالتحاق بنداء تونس بهدف إعادة هيكلته وترتيب بيته الداخلي ليتمكنمن استعادة قوته وخلق التوازن بالمشهد السياسي.

ولفت بلحاج إلى أن "بعض قيادات حركة تونس اولا بصدد النقاش للعودة لهياكل نداء تونس، والتباحث حول إمكانية أن تتحالف حركة تونس أولا مع حركة نداء تونس وعدد من الأحزاب التقدمية قصد تكوين جبهة وسطية ديمقراطية".

السبسي والغنوشي
التحالف الخاطئ

وتزامنت جهود بلحاج مع جهود موازية يقودها محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس حيك أكد أن "حركته منفتحة على جميع التيارات صلب حركة نداء تونس، بغاية تكوين تحالف مع هذا الحزب وليس الاندماج صلبه".

وتخشى النهضة عودة القيادات المحسوبة على التيار اليساري الوسطي الذي يرفض التحالف معها ولا يرى فيها سوى جزء من تنظيم الإخوان تهدد المسار الديمقراطي.

وجاءت تحركات القيادات الندائية السابقة في أعقاب اتصالات أجراها قائد السبسي معهم دعاهم خلالها إلى رص صفوفهم في إطار نداء منفتح على مختلف الشخصيات السياسية المؤمنة بمدنية الدولة وبالمشروع الوطني في ظل تغول حركة النهضة.

وخلال الأيام القليلة الماضية دعا عدد من الندائيين الرئيس السبسي إلى إنقاذ النداء باعتباره مؤسسه من حالة التفكك والتشرذم التي يعيشها.

وتظهر قراءات أن السبسي اختار طيلة الأزمة أن يكون محايدا باعتباره رئيسا لكل التونسيين ووقف على نفس المسافة من جميع الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج.

غير أن استمرار الأزمة واقتناعه بأن النهضة تسعى إلى الزج به في مستنقع الأزمة ليتحول إلى جزء منها دفع به إلى الاقتناع بضرورة لجمها والمطالبة برحيل الشاهد.

وقال محمد الكيلاني النشاط السياسي ورئيس الحزب الاشتراكي إن "المؤشرات المتاحة اليوم في تونس تؤكد أن البلاد قادمة على المزيد من التوترات السياسية" مضيفا أن "الآفاق تكاد تكون مسدودة في ظل غياب إرادة حقيقية خاصة من النهضة".

وشدد الكيلاني وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين على أن "الأزمة السياسية كثيرا ما تغذت من تغول حركة النهضة التي استفادت من تذرر القوى الديمقراطية".

ويؤكد الكيلاني على "ضرورة فك النداء أي ارتباط مع النهضة في مرحلة أولى وعلى الانفتاح على مختلف القوى الديمقراطية لا القيادات الندائية فحسب قبل أن تغتال التجربة الديمقراطية الناشئة".

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون، أن أخطر التوترات القادمة عليها تونس ستجري بين حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل الذي لا يثق في الإسلاميين ويحملهم الأزمة الهيكلية التي زجوا بالبلاد فيها منذ العام 2011 تاريخ وصولهم إلى الحكم.

ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية طالت أكثر مما يجب وهم لا يترددون في تحميل الرئيس السبسي مسؤولية الحسم مستخدما صلاحياته الدستورية.

ولعل ذلك ما دفع بحمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية الذي قال الجمعة إن "قائد السبسي هو جزء من الأزمة" رغم أن الأوساط السياسية تراهن عليه ليكون جزء من الحل باعتباره عنصر توازن بين جميع الأطراف.