بين حرب الـ12 يوما مع إيران والأيام الستة مع مصر

حرب الـ12 يوما، ربما تتحول إلى بداية أو نواة لمرحلة جديدة ذات طابع سياسي، تبدو شبيهة بما حدث في مصر عقب حرب الأيام الستة.

تعمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التركيز على الرقم 12 في وصف نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران، لخلق صورة ذهنية تفيد بأن هذه الحرب حققت أهدافها في مدة قصيرة، ومحاولة الربط بينها وبين حرب إسرائيل مع مصر عام 1967، التي سميت بحرب الأيام الستة، وتلقى فيها النظام المصري آنذاك هزيمة فاضحة.

ما يعزز الربط بينهما في ذاكرة الشعوب أن الحربين جاءتا في شهر يونيو، والمعروف مصريا وعربيا بأنه شهر النكسة، واستغرقت حرب إسرائيل مع إيران ضعف الوقت الذي استغرقته حربها مع مصر، ما يمكن تفسيره بأن التغيير المتوقع سوف يحتاج إلى وقت أكبر، ضعف ما استغرقه مع مصر وصولا إلى التسوية معها.

تحرص بعض الدول على اختيار مسميات لحروبها، وهو معروف في إسرائيل، التي اختارت شعار "الأسد الصاعد" في حربها الأخيرة مع إيران، في إشارة على أن هذه المحطة تدشن هيمنة عملية على منطقة الشرق الأوسط، كما اختارت طهران شعار “الوعد الصادق 3” في رسالة أنها لا تنكص وعودها، وتخوض حروبا مترابطة.

ويمثل دخول الأرقام بالعام أو اليوم في التاريخ العسكري نمطا شائعا، فهناك مثلا حرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وحرب 33 يوما بين إسرائيل وحزب االله اللبناني عام 2006، وكل حروب إسرائيل مع حركة حماس كانت لها توصيفات في المسميات والأرقام.

ويحوي التركيز على المدة الزمنية، من حيث طولها أو قصرها، مضامين سياسية معينة، وهو ما ينطبق على حرب إسرائيل مع مصر عام 1967، وتنطوي على رسالة أن كسر القوة العسكرية وتحقيق النصر لم يتطلب أكثر من ستة أيام للنيل من ظاهرة الرئيس جمال عبدالناصر القومية، وبعدها بدأت إسرائيل تثبت أقدامها في المنطقة كقوة عسكرية كبيرة، ثم خاضت حربا أخرى انتصرت عليها مصر في أكتوبر 1973، وهي التي فتحت الباب أمام حدوث تغيير كبير في شكل الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث جرى الدخول في تسوية سياسية وتوقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر، وتم تدشين مرحلة جديدة، لا تزال معالمها صامدة منذ نحو نصف قرن.

ما أراده ترامب من تصميمه على تكرار رقم 12 لوصف حرب إسرائيل مع إيران، هو تأكيد أنها بداية طريق لكسر شوكة الظاهرة الإسلامية في إيران، وبدء العد التنازلي لإنهاء النظام الإيراني الحالي، فكما قضت تداعيات حرب الأيام الستة على نظام عبدالناصر، يمكن أن تقضي حرب الـ12 يوما على نظام علي خامنئي، ولو مضى الثاني على طريق الأول في دخوله حرب استنزاف طويلة وإعادة تسليح جيشه ليكون مستعدا لمعركة أكتوبر وطي صفحة الصراع العسكري العلني بين القاهرة وتل أبيب.

يكمن الفرق بين مصر سابقا وإيران حاليا في أن إسرائيل لم تكن بالقوة العسكرية التي عليها الآن، والتوازنات الدولية كانت أكثر اعتدالا مما هي عليه اليوم، ولم يكن هناك رئيس أميركي يريد تحقيق السلام بالقوة، مثل ترامب، وكما أن حرب الأيام الستة أثرت معنويا وماديا على شخصية عبدالناصر وكسرته من الداخل، يحاول خامئني عدم الوقوع في هذا الفخ، ويظهر قدرة فائقة على مواصلة المعركة بخطابات رنانة.

وإذا كان الرئيس جمال عبدالناصر اضطر إلى إعلان مسؤوليته عن الهزيمة وأعلن استقالته من منصبه وعاد على ظهور جماهيره في مظاهرات شعبية حاشدة، بعيدا عن كون هذه المسألة معدة سلفا أم تلقائية، فخامئني ليس في حاجة إلى أن يعلن تقاعده ويعود على ظهور جماهيره في طهران، لأنه أصلا لا يعتبر نفسه مني بهزيمة، بل حقق نصرا مؤزرا، وحالة عبدالناصر وحرب الأيام الستة لم تكن الهزيمة تحتمل لبسا أو تشويشا.

وما يمنح النظام الإيراني فرصة للحديث عن انتصاره، أن إسرائيل اعتقدت سهولة المعركة معه، وقدرتها على الحسم بعد الضربة الأولى القوية، فضلا عن تدخل الولايات المتحدة إلى جانبها لإنقاذها عسكريا، وإيجاد صيغة مرنة لوقف الحرب لا تظهر فيها طهران منكسرة تماما، بعد أن تمكنت صواريخها الباليستية من اختراق أماكن عديدة في العمق الإسرائيلي، وبدت تجليات الحرب وشواهدها واضحة في تدمير مناطق مدن مثل تل أبيب وحيفا وبئر السبع.

وكما كانت حرب الأيام الستة ثقيلة ومضنية في مصر، فالاثنا عشر يوما كذلك في إيران، حيث احتاجت القاهرة إلى مراجعة كبيرة في بنية النظام الحاكم وإجراء تصفية للجيوب الرخوة وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والمخابراتية، وهو ما تقوم به طهران حاليا، التي اكتشفت أنها مخترقة على نطاق واسع من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، أما فكرة وصول إيران إلى نصر، كما وصلت مصر بعد ستة أعوام، فهذه عملية تتوقف على طبيعة التغيرات في قوام الجيش والحرس الثوري وما يعتمل بينهما من تناقضات خفية.

علاوة على آليات المراجعة داخل النظام الإيراني والقيام بتحول في بنيته الفكرية والسياسية، فالولايات المتحدة وإسرائيل على استعداد للتعايش مع طهران، إذا تخلت عن شيطنتهما، ولا توجد ممانعات من الدخول معها في تفاهمات، وهو ما يمكن أن تكشفه الفترة المقبلة، فعلى ضوء التوجهات التي سيتبناها خامنئي يمكن أن تتضح معالم العلاقة بين الجانبين، خاصة أن هناك يقينا بأن حرب الـ12 يوما قد تكون جولة في معركة طويلة وممتدة تستمر سنوات، وأن تل أبيب (وخلفها واشنطن) لن تسمح لطهران بتحقيق نصر على النمط المصري للدخول معها في تسوية سياسية.

ثمة رهان على أن المراجعة في إيران المتعلقة بتصورات النظام ليست بالضرورة أن تكون في اتجاه الاستعداد لخوض جولة أخرى من الحرب تبدأها طهران هذه المرة، لكن في اتجاه القيام بتحول في التوجهات العامة، فقد تأكد النظام الحاكم في طهران من وجود أوراق عديدة تملكها إسرائيل والولايات المتحدة ترهق إيران وتستنزف مواردها، وتأكد أن الاعتماد على أذرع وأجنحة خارجية قد تنقلب إلى وبال في أيّ لحظة، وأن حجم الإنفاق عليها زاد بشكل بات المواطنون يتذمرون منه.

وتحول التمسك بالبرنامج النووي إلى أزمة مادية وعسكرية، وأصبح نقطة تنفذ منها دول كبرى إلى قلب إيران، ولن تتسامح الولايات المتحدة وإسرائيل مع طهران، حال التصميم على المضي قدما فيه، ما يشي بالمزيد من الخسائر عند حدوث مواجهة جديدة، ولذلك قد تكون حرب الـ12 يوما نقطة تحول في الاستمرار أو التعثر.

وفي الحالتين سوف تحدث تحولات كبرى في طهران، لأن الاستمرار يحتاج إلى استعدادات مختلفة لدخول جولة أخرى، والتعثر يمهد لفتح صفحة جديدة، وذلك حسب طريقة التعثر، وهل عبر إرادة إيرانية، أم قسريا وبسبب ضغوط أميركية وإسرائيلية.

المهم أن حرب الـ12 يوما، ربما تتحول إلى بداية أو نواة لمرحلة جديدة ذات طابع سياسي، تبدو شبيهة بما حدث في مصر عقب حرب الأيام الستة، مع مراعاة الفروق المحورية بين مصر وإيران، ومركزية كل منهما في المنطقة، ما يجعل نمط التعامل الإسرائيلي عسكريا وسياسيا مع كليهما مختلفا.