تأملات نقدية: لماذا ينتخبون الاسوأ؟

نتائج الانتخابات في بعض مجتمعاتنا هي التعبير الأمثل عن الانتكاسات الفكرية والاجتماعية، بل و"التخلف الاجتماعي".

بعض النماذج التي تصل الى البرلمانات والمجالس التشريعية في الديمقراطيات الناشئة غير مؤهلة لأداء الدور المطلوب منها لا تشريعيا ولا رقابيا، ولا تملك الماما بالشأن السياسي ولا يمكنها تقديم اضافة الى العمل البرلماني، لكنها في النهاية اختيار الناس. هذه هي الديمقراطية، ولكل نائب من يؤيده ويصفق له مهما كان مستوى ادائه باهتا.

لذلك لست في وارد الاعتراض على مخرجات الانتخابات، ولا الطعن في نتائجها. لكن بودي ان اتساءل عن الظروف التي تدفع الناس الى اختيار نوعيات متواضعة يمثلونهم في البرلمان؟

ماهي الظروف التي تدعوا شخصيات اكاديمية ومثقفة وعلى درجة عالية من العلم الى القبول بنواب لا يفقهون مبادئ العلوم السياسية؟ وكيف يتم ايصال نواب لا يفرقون بين دورهم في التشريع وبين تطبيق الشريعة؟ او بين نواب يرفعون راية المعارضة ويدخلون في صفقات سرية مع السلطة؟

لماذا اصبح الجمهور على اختلاف شرائحه الاجتماعية والعلمية يدلي بصوته لمرشح الجماعة وان كان مستواه الفكري ضحل للغاية؟ ولماذا تتجه الاصوات الى مرشحين فقط لانهم ينتمون الى نفس المذهب او القبيلة او العرق؟ او ينتخبون مرشحين يرفعون شعار الحريات ويتبنون قوانين تُقيد الحريات وتنتهك خصوصيات الافراد؟

كيف يمكن ان تقنع "من لا يقرأ التاريخ" ان الامم تتطور من العصبية الى الجماعة والدولة لا العكس؟ فالتحول من حالة الدولة والجماعة الى التقسيمات العرقية والمذهبية والاثنية وغيرها يعني اننا نسير في رحلة هبوط وانهيار.

فكيف يتم التعامل مع هذا التقسيم بالقبول والافتخار، وتنظم له القصائد، وتتباهى به شخصيات تحسب نفسها على الطبقة المثقفة والاكاديمية؟

يشابه ذلك الى حد كبير معطيات الانتماء الحزبي، والذي يلعب ذات الدور التضليلي في العملية الانتخابية، فالحزبي لديه الاستعداد لغض النظر عن الفساد والاخطاء والتجاوزات التي تصدر من القادة السياسيين الذين ينتمون لنفس الحزب، بينما لا يتردد من التنكيل بالخصوم اذا صدر منهم أدنى خطأ.

وربما شهدنا ذلك جليا في النزاعات السياسية التي تحدث بين التيارات الاسلامية والعلمانية، او بين الاحزاب السنية والشيعية، او غيرها. فالأولوية للانتماء الحزبي وهو يغطي الخطايا وربما الجرائم السياسية والمالية التي تقع منهم.

وعلى نفس المنوال يمكن اعتبار ان نمط العلاقات في الديمقراطيات الناشئة بين النائب والناخب تقوم بالدرجة الاولى على المصالح التي يقدمها الاول للثاني، وهذه العلاقة المنفعية من شأنها ان تدفع الناس نحو التغاضي عن تهم الفساد التي تلاحق النائب، وربما القبول بفساده طالما كان يحقق منافع خاصة.

وتتعزز الاعذار بقدرة المرشح على تأطير نفسه بمبادرات دينية ووطنية من قبيل بناء المساجد ودور العبادة وطباعة القران والاشراف على عمل اللجان الخيرية والمشاركة في حملات دعم المجاهدين في دول التوتر، فهذه الحزمة من اعمل البر والاحسان يمكن أن تطهر تاريخ المرشح الفاسد في أعين الناس، وتبرر اختياره ممثلا عن الامة.

وتشير بعض الدراسات الغربية على أن نشر معلومات الفساد من جهات يثق فيها المجتمع من شأنه التأثير على نتائج صناديق الاقتراع، لكن في حال ما بسطت قوى الفساد يدها على مصادر المعلومات، فمن المؤكد ان الناخبين سيقعون في فخ التضليل.

وفي حال المجتمعات العربية والديمقراطيات الناشئة، فان غياب الانشطة المدنية، والمبادرات الأهلية، التي تقوم بمهام الرقابة والرصد والتحليل والنشر، من شأنه ان يترك الناخب عرضة للتضليل.

هذه الانتكاسات الفكرية والاجتماعية او قل "التخلف الاجتماعي" هي العلة التي تقف خلف تدني مستوى اختيارات الناس في الانتخابات، حتى اصبح لدينا نواب يمثلون قبائلهم اكثر مما يمثلون مجتمعهم، واخرون يمثلون مذهبهم ويعادون المذاهب الاخرى.

وهكذا يتفتت الوعي السياسي على صخرة المنظومات العرقية والعائلية والقبلية والحزبية، وبدلا من ان تكون هذه المكونات اضافة للحياة السياسية، والتنوع قوة للمجتمع، تتحول بفعل التخلف الى عوامل ضعف، ولذا فمن النباهة الاشتغال على توعية المجتمع بذاته، والتأكيد على أن قوته تكمن في اختيار الاكفأ وليس الاقرب.