تونس مرشحة لتركيز حكومة أكثر انفتاحا على القوى المدنية

نتائج الانتخابات البلدية أنهت يافطة شرعية الأوزان الانتخابية الحزبية وأرست شرعية أوزان القوى المدنية.

قال الرئيس التونسي قائد السبسي بأن التمشي السياسي المتمثل في الحكم الائتلافي الذي انتهجته تونس حقق نتائج إيجابية رغم أنه لم تحظ نتائجه بفرحة كل التونسيين مشيرا إلى أن التعديل الحكومي يجب أن يكون بناء على سياسات متفق عليها مسبقا فيما توقع مراقبون أن تكون الحكومة المرتقبة أكثر انفتاحا على القوى المدنية.

وشدد السبسي في كلمة بثها الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية خلال إشرافه الإثنين 14 مايو الحالي على اجتماع مع الموقعين على وثيقة قرطاج أن "المهم اليوم بالنسبة لتونس هو الاتفاق حول الأولويات ثم ننظر لاحقا في تركيز حكومة تكون مؤهلة لتنفيذ السياسات المتفق عليها بناء على صياغة جديدة للوثيقة تكون بمثابة الأرضية.

وجاءت كلمة السبسي في أعقاب نتائج الانتخابات البلدية التي جرت في السادس من مايو أيار الحالي والتي فازت فيها القائمات المستقلة مجتمعة بنسبة 32.9 بالمئة تليها قائمات حركة النهضة بنسبة 28.64 بالمئة ثم قائمات نداء تونس بنسبة لا تتجاوز 20.85 بالمئة.

ولم يخف السبسي أن الانتخابات نتجت عنها تفاعلات في تلميح على يبدو إلى فوز المستقلين على حساب الحزبين الكبيرين اللذين تعرضا إلى التصويت العقابي من قبل الناخبات والناخبين مشيرا إلى أن نجاح المسار الديمقراطي لم يترافق مع نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية ما زج بالبلاد في ازمة هيكلية.

السبسي
مفاجأة للسبسي وحزبه

ويرى مراقبون أن نتائج الانتخابات فرضت واقعا جديدا لم تكن تتوقعه الأحزاب حمل فشل المنظومة الحزبية برمتها من جهة وفرض القوى المدنية ممثلة في المستقلين كثقل انتخابي جديد من شأنه أن تكون له الكلمة الفصل في تركيبة الحكومة المرتقبة.

وقال عبد الجليل بوقرة المحلل السياسي إن "شرعية الأوزان الانتخابية للأحزاب السياسية انتهت لتحل محلها شرعية أوزان القوى المدنية".

وأضاف بوقرة وهو يتحدث "إن المرحلة القادمة تستجب مزيد الانفتاح على المجتمع المدني وعلى الكفاءات غير المتحزبة" لافتا إلى أن "هذا هو الاتجاه الصحيح الذي سيتفاعل معه السبسي احتراما للناخبات والناخبين".

وخلال السنوات الأربع التي تلت الانتخابات البرلمانية والرئاسية كثيرا ما تحجج كل من نداء تونس وحركة النهضة بالأوزان الانتخابية لبسط هيمنتهما على مواقع القرار السياسي والإداري وعلى الشأن العام حتى أنهما استضعفا وهمشا الأحزاب الأخرى.

غير أن نتائج الانتخابات البلدية وهي الأكثر قربا لتطلعات الناخبات والناخبين أنهت، كما يذهب إلى ذلك "يافطة الأوزان" بعدما تآكلت القواعد الانتخابية للنهضة والنداء وفسحت المجال لما يمكن أن يسمى بـ"شرعية أوزان القوى المدنية" التي منحت أصواتها لطبقة سياسية في طور التشكل تتكون من كفاءات مستقلة موزعة على كامل الجهات.

فرحة اتباع حركة النهضة
فرحة منقوصة بسبب نتائج التيار المدني

وتظهر قراءات أن جيلا جديدا من السياسيين المتخصصين في مختلف المجالات داخل الجهات بدا ينافس الأحزاب السياسية منافسة جدية بناء على برامج تنموية وسياسية تعكس مشاغل الأهالي بعيدا عن التوظيف السياسي أو الحزبي.

ويرى بوقرة أن "مفاجأة فوز القائمات المستقلة يستبطن معطى سياسيا خطيرا يتمثل في التصويت العقابي الاحتجاجي للمنظومة الحزبية بكاملها التي تفرض مراجعات جذرية للمرجعيات والخيارات وتفرض أحزابا برامجية تقنع الناخبات والناخبين.

وعلى الرغم من أن السبسي تجنب الحديث عن التركيبة الحكومية المرتقبة كما تجنب الحديث عن مسوغاتها على ضوء نتائج الانتخابات إلا أن أشار إلى أن التفاعلات تفرض على جميع الأطراف وفي مقدمتها اتحاد الشغل أن تشارك في العملية السياسية.

ومع نهاية شرعية الأوزان الانتخابية للأحزاب السياسية تبدو تونس اليوم، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، تخطو نحو حكومة لا فقط أكثر انفتاحا على قوى المجتمع المدني بل أكثر قابلية لأن تكون لتلك القوى الكلمة الفصل في تركيبة أي حكومة.

ويشدد عبد الجليل بوقرة على أن "اتحاد الشغل بصفة خاصة وهو الذي يطالب بإعادة هيكلة الحكومة ستكون له الكلمة الفصل ولكن دون أن يكون طرفا في العملية السياسية لأنه منظمة وطنية كثيرا ما استماتت في الحفاظ على استقلاليتها".

ويذهب بوقرة إلى حد القول بأن تونس ليست قادمة على تعديل حكومي فني كما تدفع إلى ذلك النهضة والنداء وإنما تتجه نحو تغيير هيكلية التركيبة الحكومية وهو تغيير مستميت اتحاد الشغل في الدفاع عنه لضخ دماء جديدة في مفاصل مؤسسات الدولة.

هيئة الانتخابا بتونس
نتائج مفاجأة إلى حد ما بالنسبة للاحزاب التقليدية

ويبدو أن نتائج الانتخابات رفعت من أداء القوى المدنية لتتحول إلى قوة ضغط إيجابية وقوة تعديلية بشأن السياسات التي تنتهجها الحكومة في مختلف المجالات.

ولا يتردد مراقبون في التأكيد على أن الجدل القائم بين اتحاد الشغل والحكومة يؤشر على أن المركزية النقابية تسعى إلى ترحيل أزمتها إلى الحكومة وفي المقابل تسعة الحكومة إلى ترحيل أزمتها إلى اتحاد الشغل الذي يعارض منهج السياسات اللبرالية.

ويتوقع عبد الجليل بوقرة أن "تلعب قوى المجتمع المدني المتنفذة في الجهات دورا هاما في ظل عجز المنظومة الحزبية إذ سيقع الالتجاء إليها من خلال تمكينها من مواقع القرار السياسي والإداري بما في ذلك الحقائب الوزارية لأنها هي التي باتت الأكثر قدرة على توجيه اتجاهات الراي العام والأكثر تفاعلا مع الأزمة السياسية والهيكلية".