خرافة السوداني وفتنة العراق الكبرى

لا إيران ستنتفع بالربط السككي ولا الكويت ستستعمل الموانئ المأخوذة من العراق ولا الأكراد سيتمكنون من الاستيلاء على كركوك.

"الربط السككي مع إيران" ذلك هو أبرز انجازات حكومة محمد شياع السوداني في العراق إلى جانب ترسيم الحدود مع الكويت وانهاء الخصام مع الأكراد حول المناطق المتنازع عليها وهما مسألتان تنطويان على فضيحتين تضافان إلى الفضيحة الأولى.

ما الذي سيستفيده العراقيون من ربط العراق بإيران من خلال خطوط السكك الحديدية؟ قطارات تذهب من العراق. إلى أين؟ قطارات تجيء من إيران. إلى أين؟ زيارة إلى مرقد الإمام الرضا تقابلها زيارة إلى مرقد الإمام الحسين. وهكذا يتبادل الشعبان الخبرات على أصعدة كثيرة، منها ما هو ثقافي وما هو اقتصادي وما هو علمي وقبلها كلها ما هو سياسي.

سيزيد الإيرانيون من حجم تدخلهم في العراق وهم في الحقيقة لا يحتاجون إلى ذلك، فمَن يحكم في بغداد يواليهم عقائديا قبل أن ترتبط مصلحتهم بوجوده. علاقة نفعية غير أن التبعية الطائفية أضفت عليها طابعا عقائديا. وهو ما سيضمن للفاسدين في بغداد قوة تدخل سريع إذا ما انقلب المزاج العراقي فجأة كما حدث في تشرين الأول عام 2019.

لكن الإيرانيين يحتاجون إلى ذلك الربط السككي في أمرين لا يستفيد منهما العراقيون في شيء، بل هما يضران بالعراق. الأول يكمن في أن ذلك الربط سيسهل عملية نقل الأسلحة إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان والثاني انما سيمكن إيران من زيادة أعداد مواطنيها وجلهم من أفراد الحرس الثوري الذين سيتسللون بشكل رسمي إلى العراق لتهبهم الحكومة العراقية جوازات سفر عراقية ورواتب شهرية كونهم من المجاهدين الذين سيُقال إنهم عادوا بعد نفي طويل.

ما يحدث اليوم سيشكل في المستقبل كارثة اجتماعية لا تقل عنها ضررا لكارثة المستقبلية التي ينطوي عليها منح الحكومة العراقية أراض وموانئ هي جزء من العراق التاريخي إلى الكويت بدعوى الانتهاء من رسم الحدود بين البلدين. سيخسر العراق منفذه إلى الخليج ويُخنق بحريا وهو أمر ليس في مصلحة الكويت على الإطلاق. ذلك لأنه يشكل استعداء صريحا للعراقيين الذين وإن كانوا يمرون في الحاضر بلحظة ضعف وهوان غير أن ذلك لن يستمر طويلا. بالتأكيد العراقي الأخ المعزز المكرم أفضل من العراقي العدو المستضعف المستباح. كان في إمكان الكويتيين أن ينظروا إلى قرار المحكمة الاتحادية العراقية الذي نص على رفض التنازل عن ميناء خور عبدالله انطلاقا من كونه إجراء غير دستوري بقدر من التوازن تقديرا لروح العدالة.

أما حكومة شياع السوداني فمن الصعب اعتبارها شرعية لأسباب كثيرة لن استفيض بها، اقلها أن السوداني نفسه ليس منتخبا والكتلة السياسية التي وضعته على رأس الحكومة لم يكن يحق لها القيام بذلك لانها الكتلة المهزومة في انتخابات عام 2021. لست هنا في مجال تقديم النصح للكويتيين من أجل أن لا يتورطوا في التعامل مع حكومة غير شرعية ولكنني أحاول أن أبسط الخرائط أمامهم. فهي تؤكد أن جارهم الشمالي سيبقى في مكانه مهما فعلوا.

أما حكاية رفع اليد عن كركوك وتسليم المدينة النفطية التي تعتبر عراقا مصغرا نسبة إلى تنوع سكانها العرقي إلى أكراد مسعود بارزاني فإنها تنطوي على فتنتين. فتنة كردية كردية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وفتنة بين المكونات الاجتماعية التي كانت تعيش في كركوك في حالة من الوئام والتصالح قبل أن يتم اعتبار مدينتهم من المناطق المتنازع عليها بين دولة العراق و(دولة الأكراد) حسب الفقرة رقم 140 في الدستور العراقي الجديد. ولكن المشكلة هي في حقيقتها أكبر من الفتنتين. فقد تتحول كركوك إلى عنوان للفتنة الكبرى التي ستضع نهاية للعراق الجديد.

سيؤدي انفجار كركوك إلى انفجار العراق الجديد الذي لن يكون في إمكانه تسديد تكلفة حرب أهلية جديدة. لذلك يمكن القول إن حكومة السوداني هي آخر حكومة تشرف عليها وتديرها الأحزاب والميليشيات الشيعية التابعة لإيران. بعدها سيحل الطوفان. فلا إيران ستنتفع بالربط السككي ولا الكويت ستستعمل الموانئ المأخوذة من العراق ولا الأكراد سيتمكنون من الاستيلاء على كركوك. ذلك لأن كل ما توقع عليه حكومة السوادني هو غير قانوني. ذلك ما أكده قرار المحكمة الاتحادية في ما يتعلق بالتخلي عن خور عبدالله.      

يجاهر السوداني بإنجازاته كما لو أنه لا يعرف أن تلك الانجازات هي عبارة عن ألغام سرعان ما ستنفجر لا لتسقط حكومته حسب، بل وأيضا لإنهاء خرافة العراق الجديد.