دمية في حضرة بابا الفاتيكان

لا يدخل بابا الفاتيكان في التفاصيل. السياسة ليست مهنته.

بابا الفاتيكان يُخطئ أيضا. كان استقباله للرئيس الأوكراني قد تم من منطلق التعاطف مع ضحايا حرب لا ذنب لهم فيها. غير أن زيلينسكي ليس هو الرجل المناسب لثقة من ذلك النوع. فهو يتحمل المسؤولية عن نشوب تلك الحرب. وهو أيضا مسؤول عن استمرارها. ذلك لا يُعفي روسيا من المسؤولية. مدافعها ودباباتها وطائراتها هي التي تقصف وهي التي شردت الأوكرانيين بعد أن هدمت بيوتهم ولكن آلة الحرب شيء والسياسة شيء آخر.

زيلينسكي يقف على الجانب السياسي باعتباره داعية حرب. هناك خطوط حمراء تتعلق بالأمن القومي الروسي حاول زيلينسكي اختراقها لينال لقب البطل الذي تحدى الدب الروسي. هو اليوم بطل بالنسبة للإعلام الغربي، ولكنه بطل مضاد بالمعنى الوطني الحقيقي. ذلك لأن مصير بلده والشعب الذي يحكمه لا يهمه مقابل طاعة الولايات المتحدة وإرضائها من خلال وضع روسيا في قفص الاتهام واعتبار بوتين مجرم حرب وعدو لا يمكن التفاوض معه.

لم يقل بابا الفاتيكان أثناء اللقاء كلمة واحدة ضد روسيا، ولكن الصورة الصامتة يمكن استعمالها ضد روسيا. ذلك ما نقلته شاشات التلفزيون. صحيح أن من حق زيلينسكي أن يلتقط صورة مع البابا ولكن أشياء حساسة كثيرة يمكن أن تقف بين الشكل الذي تعبر عنه الصورة والمحتوى الذي سيتم اخفاؤه وإن كان زيلينسكي قد اعترف أن البابا لم يدن روسيا. أما كان على البابا أن يسأل ضيفه عما ارتكبه من حماقات؟ زيلينسكي دخل حربا لا يستطيع انهاؤها أو لا يملك الحق في انهائها.

حرب أوكرانيا أكبر منه بعد أن تحول إلى رئيس صوري حين وضع نفسه في خدمة سياسات الولايات المتحدة المعادية لروسيا. لا أعتقد أن أحدا من حكماء أوروبا سيخبره بالحقيقة. حقيقة الدور الذي يقوم به وحقيقة الصفة التي انتهى إليها. زيلينسكي يحارب تنفيذا لتعليمات أميركية وهو يضغط على أوروبا انطلاقا من استقوائه بالأميركان الذين حولوا الحرب في أوكرانيا إلى حرب أوروبية صار المواطن الأوروبي العادي يدفع ضريبة استمرارها.

ما يزعج فعلا أن أوروبا ارتضت لنفسها أن تقع تحت الابتزاز الأميركي وتشارك في الحرب التي هي ليست حربها. فلا روسيا عدوة لأوروبا ولا أوكرانيا قد خططت للانتماء إلى الاتحاد الأوروبي قبل أن يعلن زيلينسكي عن رغبته في أن تنضم بلاده إلى حلف الناتو. لا اعتقد أن أوكرانيا الأوروبية ستكون مصدر ازعاج لروسيا ولكن صواريخ الناتو يجب أن تظل بعيدة عن الأراضي الروسية. هو ما كان على أوكرانيا أن تلتزم به.

لا يدخل بابا الفاتيكان في التفاصيل. السياسة ليست مهنته. ولأن الفاتيكان مؤسسة على شكل دولة فلا يمكن أن تكون بمنأى عن الفساد. هناك مَن صنع المكيدة التي جرت البابا إلى الموقع الذي يكون فيه ضيف صورة أرادها الاعلام الغربي ليصنع منها حكاية من طراز، فيه الكثير من الخبث. فمجرد أن يصافح زيلينسكي بابا الفاتيكان في هذه اللحظة المتوترة بالذات فإن ذلك ينطوي على الكثير من المعاني التي يمكن استعمالها بطريقة مريبة. لقد وقع البابا في الفخ. فخ نصبه مَن يعمل في السياسة من حاشيته.

خرج زيلينسكي من اللقاء ليروي حكاية انتصاره. لقد طلب من البابا أن يُدين روسيا صراحة. ذلك بالطبع ما لن يفعله رأس الكنيسة الكاثوليكية. ذلك ليس مهما. ما يهم هو تفاخر زيلينسكي وهو يردد أنه قال للبابا ما لا يجب أن يُقال. مشهد الصور الصامتة التي نقلت اللقاء لم يكن مريحا. كان أشبه بمشهد مسرحي. لم يتخلص زيلينسكي من آثار مهنته الأصلية ممثلا. لا بأس. إنه يمثل الآن دور رئيس ضحى بالشعب الذي يحكمه من أجل أن يُضحك الرأسمال العالمي في مواجهة شيوعية وهمية. يخوض زيلينسكي حربا انتهى مفعولها منذ أكثر من ثلاثين سنة. أشعل النار في بلاده من أجل أن يستعيد العالم ذكريات الحرب الباردة. 

أخطأ بابا الفاتيكان، غُرر به. ليس مناسبا أن يدخل زيلينسكي إلى الفاتيكان لا باعتباره ضحية ولا باعتباره بطلا. فهو رجل دمر بلاده. لا بطولة في حرب ليست عادلة. وزيلينسكي ليس هو الرجل المناسب لقول الحقيقة. ما لا يعرفه عن روسيا هو بحجم ما لا يعرفه عن أوكرانيا. كان على البابا أن لا يشعر بالاحراج وهو يرفض استقبال دمية.