ديمقراطية تونس التي لا يحبها الغرب

لا تخيفوا الناس بالنظام الرئاسي. ففي فرنسا نظام رئاسي. في الولايات المتحدة وهي آلهة الديمقراطية نظام رئاسي.
لم يقف قيس سعيد على مسافة واحدة من الأحزاب بل وقف مع الشعب ضد الأحزاب
الديمقراطية التي يتباكى عليها الأوروبيون تعني السماح لحركة النهضة بتدمير أسس الحياة في تونس

يتردد البعض من التونسيين في الوقوف وراء الرئيس قيس سعيد في اجراءاته التي يمكن اعتبارها ثورية أو انقلابية حسب زاوية النظر غير أن هناك اجماعا على أن تلك الاجراءات قد أنهت حالة الفوضى السياسية التي عاشتها البلاد عبر العشر سنوات الماضية.

اما سبب التردد فإن ذلك البعض يخشى اتهامه بالوقوف ضد الديمقراطية. وهو اتهام جاهز تعمل المنظمات الدولية على الإشارة إليه بين حين وآخر في محاول لمنع استمرار الرئيس التونسي في فتح دفاتر المرحلة السابقة التي شهدت اختراقا واسعا وعميقا لمؤسسات الدولة من قبل حركة النهضة إضافة إلى ما شهدته تلك المرحلة من اغتيالات سياسية وبالأخص في ما يتعلق بمقتل المعارضين شكري بلعيد ومحمد الابراهمي. القضاء التونسي الآن أمام اختبار لفتح واحد من أخطر هذه الدفاتر والمتعلق بما يسمى الجهاز السري التابع لحركة النهضة.

وبالرغم من الثقة التي يُظهرها الرئيس سعيد بقراراته التي تتسم بقدر لافت من البطء لا لشيء إلا لأن الرجل يراعي الجانب القانوني في سلوكه، فإن الدعوة إلى التصويت على دستور جديد بعد تجميد العمل بالدستور القديم تخيف البعض، من جهة كونها تمهيدا لقيام نظام رئاسي، يفكر الكثيرون في أنه ينقل تونس من شتاتها وتوزعها إلى وحدة الرأي والتفكير ويضع حدا لصراع الأحزاب وتكون المسؤولية فيه واضحة المعالم وغير قابلة للتمييع.

ربما سيكون على التونسيين في هذه المرحلة أن يختاروا بين وهم الديمقراطية الذي وضعته حركة النهضة في خدمة مشروعها القائم على تفكيك الدولة التونسية والعبث بمقدراتها وإشاعة الفوضى في الشارع، وبين تونس القوية التي تضع ديمقراطيتها المتاحة في سياق برنامج تنموي يضع مصلحة الشعب فوق مصلحة الأحزاب التي سيكون عليها أن تنزوي جانبا وفي مقدمتها حركة النهضة.

سيُقال إنها دعوة لاستعادة نظام الاستبداد. ذلك كلام عام ونظري لا ينطبق على الحالة التونسية. فالشعب هناك انتصر على الاستبداد وأسقط نظامه وأدرك بشكل جلي أن الشارع سيكون حكما قاسيا على أية محاولة لإعادة انتاج نظام الاستبداد. ثم هل يُعقل أن يكون قيس سعيد، رجل القانون طاغية بعد كل الذي فعله من أجل انقاذ تونس من مصير أسود، كان يُعد لها بعد أن تم توريطها في الكثير من الملفات الاقليمية التي لا تملك مصلحة في أن تكون حاضرة بهيئة الشريك فيها؟

الديمقراطية في تونس التي يتباكى عليها الأوربيون تعني السماح لحركة النهضة بتدمير أسس الحياة في تونس. وهو ما يعني القبول بإزالة كل ما أنجزه التونسيون على مستوى الحياة المدنية. أيعقل أن تفكر أوروبا وهي معقل التنوير بطريقة تحرم الآخرين من الحياة المدنية؟ تلك ليست أوروبا التنوير انما هي أوروبا السياسة العملية التي لا تنظر إلى الشعوب وحقها في تقرير النظام السياسي الذي يخدم مصالحها ويرقى بها ويمهد لها الطريق إلى المستقبل.

لقد استوعب الرئيس سعيد الدرس جيدا وصار يتصرف بحكمة من أجل تأسيس جمهورية تونسية جديدة. هي الجمهورية التي أطاح من أجلها الشعب بالنظام السياسي الذي ترأسه زين العابدين بن علي الذي امتهن الدولة وجعلها في خدمته. ليس المطلوب أن يتصالح الشعب كله مع ما يطرحه سعيد من أجل أن يقول "نعم" للدستور الجديد. المطلوب أن ينتهي دستور الأحزاب الذي سمح لحركة النهضة بترأس مجلس النواب وهو ما سمح لها بإشاعة الفوضى في البلاد حيث صار التونسيون يختلفون في ما لا يعنيهم فيما كانت ماكنة الفساد التي تعامت عنها حركة النهضة واستفاد منها أصدقاؤها تعمل على نهب ثروات تونس وتجريدها من سمعتها التي هي سبب الاقبال السياحي عليها.

لم يقف سعيد على مسافة واحدة من الأحزاب، بل وقف مع الشعب ضد الأحزاب. حين ألغى بإجراءاته كل ما أفرزته السنوات العشر الماضية من ظوهر سياسية منحرفة الصوت القادم من اللحظة الذي سقط فيها نظام بن علي. لقد أهدر الشعب التونسي عشر سنوات عزيزة من عمره وعليه أن يعتبرها جزءا من تضحياته من أجل الوصول إلى لحظة الحقيقة. ولن تكون الحقيقة أقل من القبول بنظام رئاسي. ذلك لا يتعارض مع الديمقراطية. ففي فرنسا نظام رئاسي. في الولايات المتحدة وهي آلهة الديمقراطية نظام رئاسي.  

الديمقراطية ليست ذلك الشبح الكابوسي الذي يجب أن يُخفينا. بعد عشر سنوات من الفوضى لا يحتاج التونسيون إلى من يعلمهم دروسا في الديمقراطية. إنهم يحلمون بدولة القانون التي تقول لهم حقيقة ما حدث في بلادهم.