سباق مميت في كراهية العرب

مشكلة الولايات المتحدة أنها لن تكون قادرة على استعادة اعتبارها من خلال توجيه ضربات إلى هذه الميليشيا أو تلك من الميليشيات الموالية لإيران.

تعددت الآراء في مسألة رد الولايات المتحدة على القصف الذي تعرضت له إحدى قواعدها على الأراضي الأردنية وأدى إلى مقتل ثلاثة وإصابة أكثر من أربعين من جنودها. وكلما تأخر الرد كلما كثرت الآراء وتشعبت وتناقضت، حتى أن البعض صار يتوقع أن يأتي الرد صوريا ليُخرج الرئيس جو بايدن من الحرج ويخفف عنه الضغوط التي يعتبره أصحابها مسؤولا عما حدث. فالديمقراطيون وبايدن في مقدمتهم اظهروا مرونة في التعامل مع إيران على حساب الدول التي ترتبط بالولايات المتحدة بصداقات تاريخية ومصالح مشتركة كالمملكة العربية السعودية وإسرائيل. لقد سبق للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أن وضع حجر الأساس لتلك العلاقة المريبة حين دفع الأطراف الأوروبية إلى التوقيع على الاتفاق النووي بالرغم من أن عددا منها كانت لديه تحفظات عليه. أما حين استعاد الديمقراطيون البيت الأبيض بعد أن انسحبت إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق فكان التفكير في العودة إليه هو أول إجراء اتخذه بايدن. كان ذلك التحول انتصارا لإيران وبالأخص أنه جاء بعد الضربة غير المتوقعة التي تمثلت باغتيال زعيم فيلق القدس قاسم سليماني وهو الحدث الذي أربك خطط إيران في المنطقة.

وإذا كانت إيران قد ماطلت في مسألة التوقيع من أجل على الاتفاق النووي فلأنها كانت تنتظر المزيد من التنازلات الأميركية إضافة إلى محاولتها تمرير الوقت من أجل تطوير قدراتها النووية حتى إذا وجدت نفسها مضطرة للعودة إلى الاتفاق يكون ما لديها يكفي لإجبار العالم على القبول بها قوة نووية. وليس مؤكدا أن ما قامت به إسرائيل من ضربات دقيقة للمنشآت النووية الإيرانية كان محل ترحيب أميركي. وليس عدم اعتراض الإدارة الأميركية على تلك الضربات دليل رضا فالغضب من إسرائيل هو خط أحمر بغض النظر فيما إذا كانت الإدارة جمهورية أم ديمقراطية. في إمكان إسرائيل أن تفعل ما تشاء ولن تطوي الولايات المتحدة مظلتها. غير أن ما تفعله إسرائيل لا يدخل ضمن حسابات الأميركان في التعامل مع إيران. كانت لديهم دائما حساسية من العرب هي غير موجودة بالنسبة للإيرانيين. الإيرانيون يعرفون ذلك ويعرفون أيضا أن ما قدموه للأميركان من خدمات على مستوى تدمير المنطقة لن يمر من غير ثمن. لذلك تمادوا في توسيع الرقعة التي يهيمنون عليها فصاروا يفخرون بأن أذرعهم تمتد من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

وإذا ما عدنا إلى واقعة قتل ثلاثة وأصابة أكثر من أربعين جنديا أميركيا وهم نيام في القاعدة العسكرية بالأردن فإنها ليست بعيدة عن التمارين الدورية التي يمارسها الحوثيون في البحر الأحمر من خلال التعرض للسفن الأميركية. ما من شيء يمت بصلة إلى الخطأ. كل ما يحدث هو تعبير عن رغبة إيرانية في أن يخلي الأميركان المنطقة لهم من خلال الانسحاب السريع من العراق وسوريا. علينا أن نفهم أن التراخي الأميركي قد أدى بإيران إلى الشعور بتعاظم قوتها وهو ما دفعها إلى تخيل أن في إمكانها أن تزيح القوات الأميركية من مناطق نفوذها، مستغلة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. كانت روسيا عقبة أمام إيران تمت إزاحتها في سياق مخطط أميركي محكم. ولكن في سياق كل تلك المعطيات هل علينا أن نصدق أن إدارة الرئيس بايدن ستتحاشى الصدام مع إيران ردا على ما أصابها لا لأنها عاجزة عن القيام بذلك، بل لأنها لا تريد؟ ذلك سؤال ينطوي على إتهام الولايات المتحدة بأنها راغبة عن قصد في ذهاب المنطقة إلى ما هو أسوأ.   

مشكلة الولايات المتحدة أنها لن تكون قادرة على استعادة اعتبارها من خلال توجيه ضربات إلى هذه الميليشيا أو تلك من الميليشيات الموالية لإيران. المسألة تتعلق بمَن يقف وراء تلك العملية وهو أمر شديد الوضوح ولا يحتاج لمَن يتعقبه. بالنسبة للكثيرين فإن توجيه ضربة إلى إيران هي الرد المناسب. ولكن إيران استبقت الجميع حين أشعلت حرب غزة. وجد بايدن في تلك الحرب سببا للتردد في ضرب إيران وهو ما يريده الديمقراطيون. بغض النظر عما تفعله فإن إيران تظل مفيدة للولايات المتحدة في حربها الخفية على العرب. ولا أظن أن الأميركان سيتمكنون من إقناع إسرائيل يوما ما بإن إيران لا تشكل خطرا عليها بالرغم من أن إيران نفسها قد أثبتت واقعيا عبر أكثر من أربعين سنة من وجود جمهوريتها الإسلامية أن ضررها يقتصر على العالم العربي.