'سدرة الشيخ' تطل مسرحيا على آلية الحكم بين تأويلات الفكرة والعرض

العرض يشتغل على البنية الإنسانية لقيم التراث القبلي العربي المتعارف عليها، ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي.

تتجلى أهمية الثيمة التي شكلت هوية العرض المسرحي العماني "سدرة الشيخ" الذي عرض ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، أنها اشتغلت على البنية الإنسانية لقيم التراث القبلي العربي المتعارف عليها، والتي تشكل أصلا من الأصول، هذه القيم التي يهدد الخروج عليهاالمجتمع، وقد عمل مخرجه الكاتب والمسرحي عماد الشنفري على كافة مفردات البيئة العربية في الخليج العربي بتشكيلاتها الإيحائية الفائقة الجمالية.

العرض المأخوذ عن رواية للشيخ د.سلطان القاسمي حاكم الشارقة بعنوان "الشيخ الأبيض" يشير الكاتب إلى أنها"قصة حقيقية وقعت أحداثها في بداية القرن التاسع عشر، ولكتابتها لم أكتف بما بين يدي من وثائق وكتب، بل قمت بزيارة لمدينة "سليم" في الولايات المتحدة الأميركية وشاهدت المباني القديمة في الجزء المتبقي من المدينة القديمة-بلدة "جوهانس بول"، كما قمت بزيارة متحف "بيبودي" وكذلك مركز الوثائق "ايسكس" في "سليم". أما في الشرق فقد بحثت عن أحفاد "جوهانس بول" في ظفار، فعثرت على السيد عبد الخالق بن سالمين بن ربيع، وهو ابن السيدة المعروفة في ظفار "حرير" بنت عبد الله بن محمد "جوهانس بول"، وأمها "بريكون" التي تزوجها والدها في أواخر حياته".

وقد قام الكاتب والمخرج المسرحي عماد الشنفري بمسرحة الرواية، فكانت مسرحيته "سدرة الشيخ الأبيض" التي فازت بالمركز الثاني بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي،  وقد كشف الشنفري عند فوزه إلى أن "النص يتحدث عن قصة من التاريخ حدثت في السلطنة وأخذت هذه الحكاية وربطتها بشجرة السدرة التي تنبت في السلطنة ومختلف الجزيرة العربية وربطت ارتباط الإنسان بهذه السدرة وكيف أن الإنسان ينتمي للأرض كما تنتمي الشجرة للأرض، الحكاية شعبية ومن التاريخ والتراث لكن في هذا النص أضفت شيئا من التراث السعودي وشيئا من التراث الإماراتي والكويتي إضافةً إلى التراث العماني الموجود حقيقةً في معظم أجزاء النص، والقول أننا كخليجيين ننتمي إلى هذه المنطقة يجمعنا تراث وثقافة وبيئة تشملنا، فكان هذا هو الهدف من النص وفكرته وأيضا النص يطرح قضايا ربما هي معاصرة من خلال إسقاطات على النص بشكل تراثي وشعبي، ورغم كتابة النص باللغة العربية لكن الثيمة الشعبية تسيطر على النص من البداية إلى النهاية".

العرض لم يذهب بعيدا عن النص بل جسده تجسيدا فنيا وجماليا ممتعا، ليجمع بين متعة الفرجة ومتعة الفكرة، رامزا لكل التراث القيمي والإنساني للعرب الذي لا يقبل إلا العزة والكرامة والشرف ويواجه كل ما يمنكن أن يهدرها.متسائلا عن آلية الحكم العربية ومدى اتساقها مع مصلحة البلد، هل يذهب الحكم إلى طاغ وعنيف وطامع ومتآمر وناقم من أبنائها، أم إلى أعجمي حافظ لأصولها وقيمها وتقاليدها ومحبا لأهلها؟.

'سدرة الشيخ'
الكاتب والمخرج المسرحي عماد الشنفري يمسرح رواية 'الشيخ الأبيض'

المهم أن العرض يفتح على صوت بوق سفينة وغناء بحارة، وينطلق من مواجهة بين الشيخ محمد شيخ القبيلة لأسطول أجنبي يسعي للسيطرة على البلد، يهدده قائد الأسطول، لكن الشيخ بقيمه العربية الأصيلة لا يرضخ، ويقاتل وينتصر، ويعود من انتصاره بطفل أجنبي يعتبره ابنا له، آمرا شيخ القبيلة بأن يعلمه العربية ويحفظه القرآن وقول الشعر، لكن ابن عمه"سعيد" يعترض على قول الشيخ محمد معتبرا الطفل عبدا أعجميا لا ينبغي أن يكون جزءا من القبيلة، فيصرخ في وجهه ووجه رجالات القبيلة أنه سيسميه "عبد الله"، "ليعلم الجميع أنه مكفول مني، ابني رأسه من رأسي ومن اعتدى عليه اعتدى عليّ شخصيا". يفكر "سعيد" في التخلص من الطفل ويطرح نيته على طباخ الشيخ محمد "سويلم" محرضا له على قتل الطفل، لكنه يرفض، وتستمر الحياة بين أهل القبيلة ويصادق ابنة "سعيد" "مريم"، لكن "سعيد" يحول بينهما، ويكبر عبد الله ومريم ويكبر حبهما، وتأخذ مريم عهدا على عبد الله ألا يمس أباها بسوء، لكن سعيد يتآمر على الشيخ محمد مع إحدى القبائل، وينتهي الأمر بمقتل الشيخ محمد فيذهب عبد الله للأخذ بثأره، في هذا الوقت ينصب سعيد من نفسه شيخا للقبيلة، لكن عبد الله يعود وقد كشف عن المؤامرة، ويفضح "سعيد" فيلتف حوله رجال البلدة ويقتل غيلة دون الكشف عن قاتله، ليقوم عبد الله بتنصيب طباخ الشيخ محمد شيخا على القبيلة.

كافة عناصر العرض تحمل ما يتمتع به المخرج من رؤى وأفكار وقدرة على الجمع بين المتعتين الفنية والفكرية، حيث تمكن من نسجها بعمق درامي واضح دون أن تخل إحدى المتعتين بالأخرى، فحوار التآمر بين "سعيد وسويلم" كان كوميديا على الرغم من فجاعته، فـ "سعيد" ابن العم للشيخ محمد يخرج على رغبة وإرادة الشيخ محمد في اتخاذه من الطفل ابنا له، كذلك حوارات عبد الله ومريم حملت رومانسية العشق، وغناء المنشد الذي تجلى في صوته شجنا يمس شغاف القلب مما كان له أثر بالغ خاصة أن إنشاده يشبه دور الراوي. وقد كانت شجرة السدرة رمزا احتل مكانته على خشبة المسرح، وكانت شاهدا على الحب والتآمر ونقاشات رجال القبيلة، وأيضا كانت مسرحا لغناء المطرب.

السينوغرافيا انطلاقا من المؤثرات الصوتية والموسيقية التي صاحبت العرض لم تخدم المتعة فقط بل إنها خدمت الفكرة، فالموسيقي من حيث كونها اعتمدت التراث الموسيقي العربي في الخليج عامة وسلطنة عمان خاصة، وجمعت في مشهد الحضرة الذي كانت حركة الأجساد فيه صوفية بامتيازبين أكثر من إيقاع موسيقي وإنشاد ديني. وكذا كان مشهد جلد رجال القبيلة لأنفسهم عقب مقتل "سعيد" ودفع عبد الله لـ "سويلم" ليجلس على مقعد الشيخ محمد، توافقت إيقاعاته مع ما يحمل دلالة تولي الأدنى منزلة للمشيخة وفي هذا ما يشكل طعنة للقبيلة، مما دفع رجالها ألما وحزنا إلى جلد أنفسهم.

الديكور كان بسيطا ثابته الوحيد تمثل في شجرة السدرة، حيث تم إفساح المجال للشاشة الخليفة التي لعبت دورا داعما له ومعززا لتطورات الأحداث، ففي المواجهة الحربية بين أسطول الشيخ محمد والأسطول الأجنبي كانت السماء وهدير البحر، وعقب عودته منتصرا كانت البيوت والقلاع التي تنتمي عمارتها للعمارة العمانية قد تماس بنيانها مع السماء، أيضا في مشهد لقاء الحبيبين مريم وعبد الله تكشف في سمائها تقلبات الحوار بين كلمات العشق والعتاب والخوف والحذر، وفي مشهد الحضرة تجلى عليها مشهد القبلة بخطوطها ورسومها العربية..

وفي الإطار نفسه لم تكننقلات الإضاءة بعيدة حيث واكبت حركة الممثلين وانفعالات أجسادهم ووجوههموتنغيمات الآلات الإيقاعية، وحتى ألوان أزيائهم، هذه الأزياء التي جاء أصول تشكيلاتهاعمانية كاشفة عن التراتبية القبلية.

يبقى أن نشير إلى أن خاتمة العرض بتولي "سويلم" والتعبير الجماعي الرافض لرجال القبيلة المتمثل في جلد أنفسهم وإعطاء ظهورهم لفضاء خشبة المسرح حيث كان يقفون في عمقه الخلفي، يفتح الطريق للمزيد من التأويلات حول كل من الفكرة والعرض.