سوريا على أنقاض سوريا
لم يكن أمام بشار الأسد سوى أن يتخذ موقفا محايدا من الأحداث التي عصفت بالمنطقة بعد السابع من اكتوبر 2023. وسواء كان ذلك الموقف قد تم اتخاذه لأسباب نفعية فرضتها المصلحة المؤقتة أم أنه جاء بناء على تقديرات سياسية لم تعد تضع شعار الصمود والممانعة في الموقع الذي يتطابق فيه مع شعار المقاومة الإسلامية التي صارت إيران تقودها إلى الهلاك بكل ما تنطوي عليه من مبادئ وممارسات فإن الأسد عرف كيف ينجو بنظامه وبما تبقى من سوريا من مصير أكثر إيلاما مما هي عليه الآن على الرغم من أن إسرائيل لم تتوقف عن مطاردة تجمعات إيران وحزب الله على الأراضي وتدمير مخازن أسلحتهما، حتى لو كانت قريبة من مطار دمشق الدولي.
سيُقال إن روسيا تقف وراء حرص النظام السوري على الكف عن لعب دور، أثبتت كل الوقائع زيفه وبطلان حجته. ذلك قد يكون صحيحا غير أن الصحيح أيضا انما يقع في الأسباب الذاتية التي دفعت بالرئيس السوري إلى وضع مسافة بينه وبين إيران. أولا صار الاحتلال الإيراني لأجزاء من سوريا ثقيل الوطأة وهو يهدد وحدة أراضيها وشعبها. ثانيا لأن حزب الله مستمر في ارتكاب جرائمه في حق الشعب السوري سعيا وراء إحداث تغيير ديموغرافي لا يمكن معالجته في المستقبل. ثالثا وهو الأهم إن روسيا وهي القوة الدولية الكبرى التي منعت تفكك سوريا ليست راغبة في استمرار الشراكة مع إيران. ذلك أمر واقع مثلما هي سوريا التي بات دمارها أمرا واقعا لا يحتاج المرء في إثباته إلى حكايات مضافة.
كانت سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي احتضنت حركة حماس ومكتبها السياسي. ماذا فعلت الحركة بعد أن تدفقت الأموال عليها من أجل فك ارتباطها بسوريا؟ هجرت دمشق وأنهت هناءة العيش في مخيم اليرموك الذي يقع لصق العاصمة دمشق. باعت حماس تاريخ علاقتها بسوريا. أما حين ارتمت في أحضان إيران فإن ذلك لم يُعدها إلى سوريا. ما أفسدته لا يمكن إصلاحه. أما حزب الله فإن قصته مع الشعب السوري تنطوي على الكثير من النذالة والخسة والخيانة. عام 2006 فتح السوريون أبواب بيوتهم لأكثر من 300 الف نازح لبناني تنتمي أغلبيتهم إلى بيئة حزب الله الذي أشعل حربا لم يكن قادرا على الخروج منها إلا على حطام لبنان. لقد أكرم الشعب السوري جمهور حزب الله بطريقة بطولية فماذا فعل حزب الله ردا لذلك الكرم؟
حين قامت الحرب السورية لم تكن مشاركة حزب الله فيها ضرورية. غير أن حسن نصرالله ومن ورائه إيران وجد في تلك المشاركة مناسبة، أولا لإستعراض وجود ميليشياه باعتبارها قوة إقليمية، وثانيا لتأكيد الولاء لإيران من خلال تثبيت تمددها داخل الأراضي السورية. ومن أجل ذلك ارتكب الحزب مجازر عديدة من أجل الاستيلاء على كثير من المدن بعد تهجير سكانها. ما كان يجري لم يكن بعيدا عن نظر النظام السوري ورئيسه الذي فقد في الكثير من لحظات الحرب السيطرة على الكثير من المناطق التي تم سحق التنظيمات الإرهابية التي استولت عليها غير أنها في حقيقتها لم تعد جزءا من الدولة التي يحكمها. كل المناطق التي استولى عليها حزب الله في سوريا لم تعد تحت سيطرة الدولة السورية.
فعل بشار الأسد ما رآه مناسبا لكرامته الشخصية قبل أن يثأر لكرامة مواطنيه. حقيقة أن الرجل بغض النظر عن الموقف منه كان قد تعرض للغدر. غير أن موقفه المعتدل اليوم لم يكن مبنيا على ذلك الشعور وحده. كان قد انتظر أن تشارك إيران في الحرب التي أشعلتها فلم تشترك. ولأنها ليست حربه، بل هي حرب إيران التي يعرف أنها لابد أن تبيعه بأبخس ثمن فلم يصدر منه أي رد منفعل حتى حين استهدف القصف الإسرائيلي محيط القنصلية الإيرانية في دمشق. من المؤكد أن الأسد يفكر في أن لا أحد يخلصه من الكابوس الإيراني سوى إسرائيل. أما بالنسبة لحزب الله فقد أدرك أن نهايته قد حلت حين قرر الانتحار من خلال تأجيج الجنون الإسرائيلي الذي بدأ يوم السابع من اكتوبر 2023.
سوريا اليوم تبدأ من جديد. فهل سيكون ذلك الجديد نافعا؟ لا أعتقد أن أحدا ما يفكر في إعادة تأهيل النظام السوري، ولكن الكثيرين اليوم يفكرون في أن ينقضي عهد ليبدأ عهد جديد، كل صوره لا تنتمي إلى الماضي.