طوني بينيت يدرس التاريخ والنظرية السياسية لـ 'ميلاد المتحف'

استخدام وجهات نظر ميشيل فوكو وأعمال كل غرامشي وبيير بورديو وغيرهم من المفكرين والفنانين، الكتاب يستكشف كيف يمكن فهم المتحف العام ليس فقط كمكان للتعليم، ولكن كإصلاح للأخلاق التي تجري فيها مجموعة واسعة من الروتين والعروض الاجتماعية المنظمة.

في سلسلة من دراسات الحالة التفصيلية الغنية من بريطانيا وأستراليا وأميركا الشمالية، يبحث طوني بينيت كتابه "ميلاد المتحف.. التاريخ والنظرية السياسية" كيفية تنظيم المتاحف والأسواق والمعارض في القرنين التاسع عشر والعشرين لمجموعاتها وزوارها. ويناقش التطور التاريخي للمتاحف إلى جانب تطور المعرض والمعرض الدولي، حيث يلقي ضوءًا جديدًا على العلاقة بين الأشكال الحديثة للثقافة الرسمية والشعبية. مؤكدا أن كتابته لهذا الكتاب جاءت كوسيلة لمحاولة توضيح تجربة "المختلف ولكن المتشابه" التي لا أزال أختبرها عندما أزور مهرجانا أو متحفا، حيث لا أسعى لتوضيح خصوصيات شخصية، بل في توضيح تلك التشابهات والاختلافات من ناحية السيروات التاريخية للتشكل الثقافي.

باستخدام وجهات نظر ميشيل فوكو وأعمال كل غرامشي وبيير بورديو وغيرهم من المفكرين والفنانين، يستكشف "ميلاد المتحف" وكيف يمكن فهم المتحف العام ليس فقط كمكان للتعليم، ولكن كإصلاح للأخلاق التي تجري فيها مجموعة واسعة من الروتين والعروض الاجتماعية المنظمة. هذه الدراسة التنشيطية تثري وتتحدى فهم المتحف، وتضعه في مركز العلاقات الحديثة بين الثقافة والحكومة. بالنسبة لطلاب دراسات المتاحف والثقافة وعلم الاجتماع، سيكون هذا بمثابة رصيد لقائمة القراءة الخاصة بهم.

أيضا لا ينصب تركيز بينيت في كتابه الصادر عن هيئة البحرين ببثاقة والآثار بترجمة محمد المبارك وحياة حسنين على المتاحف، لكن حيث يذهب إلى المكتبات والمتنزهات والمعارض حيث قبل الناس العروض الفنية دون انتقاد هذه الأشياء باعتبارها أماكن جيدة ومفيدة وكبروا وهم يذهبون إلى هذه الأماكن دون التفكير فيها على الإطلاق.

  يقول بينيت أن تأليف هذا الكتاب جعله يفكر في المفهوم الكامل والمنطق وراء المتاحف العامة المكتبات والمتنزهات وغيرها من إبداعات النخبة الاجتماعية في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث لم تكن غالبية الناس بحاجة إلى هذه الأماكن من قبل، فلماذا أصبحت مركزية جدًا في أوقات فراغنا؟ لماذا تم اقتيادنا على وجه التحديد إلى هذه الأماكن النخبوية الباهظة الثمن؟. لقد حدث شيء مثير للاهتمام في العشرين عامًا الماضية وخاصة منذ عام 2020: اختفاء المتحف والمكتبة، الناس لم يعودوا يذهبوا. أتساءل عما إذا كانت النخب قد قامت بمعالجة الإنسانية بشكل كامل، لذلك لم تعد هناك حاجة لمساحات التجمع هذه منذ أن تم تحقيق أهدافه، وبدلاً من ذلك، أصبحنا نرى الأشياء رقميًا على أنها دعاية وإلهاء، مع خلق التزييف العميق، من يدري ما إذا كان ما يتم تقديمه لك حقيقيًا أم لا. يبدو الأمر وكأننا قد خضعنا للمعالجة الكاملة، بدءًا من عدم الاهتمام بأي من هذا، إلى التحديق الآن والاعتقاد بأن الشيء الذي نراه على الشاشة حقيقي.

يدرس بينيت ديناميكيات السلطة في المتاحف والمعارض والمعارض الدولية. في حواره مع فوكو، ويرى أن المتاحف العامة ليست فقط أماكن للتعليم والمعرفة، بل للإصلاح الاجتماعي. ومع ذلك، فإن بينيت مهتم بكيفية عمل ديناميكية القوة في الإصلاح الاجتماعي وما إذا كانت النوايا المؤسسية ناجحة. على سبيل المثال، وجد أنه في حين أن منصة الأداء احتلت موقع المراقبة، إلا أنها لم تمارس السيطرة على البيئات الحضرية. وبالمثل، فإنه يلاحظ وجود انفصال بين المعارض الحديثة والتمثيل السياسي. إن استخدام بينيت للنظرية الفلسفية وتجنب السياق يمكن أن يجعل هذه القراءة صعبة بالنسبة لشخص غير منغمس بالفعل في خطاب أدب الدراسات المتحفية. إنه كتاب سلس يستحق القراءة، ولكن من غير المرجح أن يكون ناجحًا كنص مستقل.

طوني بينيت
طوني بينيت: المتحف في مركز العلاقات الحديثة بين الثقافة والحكومة

يقول بينيت إن المتحف هو الشاغل المنظم لاهتماماتي في هذه الدراسة، وفي الواقع فإن هدفي ـ أو جزءا كبيرا منه على الأقل ـ كان يتمثل في وضـع جينيالوجيا مركزة سياسيا للمتحف العمومي الحديث. وما أقصده بـ "جينيالوجيا" هنا هو توصيف تشكل المتحف والتطورات المبكرة في سيرته، والتي ستساعد في توضيح الإحداثيات التي طرحت ضمنها ـ ولا تزال تطرح ـ أسئلة سياسة المتحف وتوجهاته السياسية. وهكذا فإن المتوخي من هذا التوصيف هو المساهمة في مشروع أكبر يشاركني فيه آخرون. وذلك  لأنه يوجد الآن عدد من التأريخات التي تطمح إلى وضع توصيفات لتاريخ المتحف أثبتت أنها أكثر نفعا بالنسبة إلى النقاشات الدائرة هذه الأيام حول المتحف والممارسات المتعلقة به من تلك التوصيفات ـ التي ظلت مهيمنة حتى سنوات الخمسينيات من القرن العشرين ـ والمصوغة ضمن القالب الويغي لمؤرخي المتحف المبكرين. في حين أن التوصيف الذي نقدمه هنا يختلف بشكل أوضح عن تلك المساعي الأخرى في تصوره المميز للمهمات التي يمكن لجينيالجوجيا المتحف أن تضطلع بها بشكل ناجع. وعلى سبيل المثال، فإن آيلين هوبر-غرينهيل تقترح جينيالوجيا للمتحف تهتم أساسا بالتحولات ذات الطابع الداخلي للمتحف، والتي طرأت على ممارسات التصنيف والعرض، والتغيرات التي أدت إليها تلك الممارسات لمفهوم وموقع الذات. ومقابل ذلك، فإنني سوف أحاج بأنه لابد من التظر إلى تشكل المتحف في علاقته بتطور عدد من المؤسسات الثقافية الموازية، بما في ذلك تلك التي قد تبدو غريبة أو منفصلة عنه.

ويلفت إلى إن المهرجان والمعرض ليسا المؤسستين الوحيدتين الخليقتين بهذه النظرة، فـإذا عـد المتحف متميزا عن المهرجان ونقيضا له، فقد سحبت تلك النظرة أيضا على علاقات المتحف بأماكن التجمع الشعبي الأخرى وبخاصة الحانات الشعبية، وبالمثل فإن المتحف تأثر بلا شك بعلاقاته بمؤسسات ثقافية كان لها، مثله ومثل المعارض العالمية المبكرة، توجه عقلاني وتطويري؛ المكتبات والحدائق العامة مثًلا. وعلى الرغم من ذلك فإن عددا من الخصائص تضع المتحف والمعارض العالمية والمهرجانات الحديثة في خانة خاصة من المؤسسات الثقافية. فكل منها معنيٌّ بممارسات الإظهار والإعلام؛ أي عرض التحف الفنية و/ أو الأشخاص بطريقة مدروسة لتجسيد وإيصال معان وقيم ثقافية محددة. وهي أيضا مؤسسات تبدي، باعتبارها مفتوحة للجميع، اهتمامات متماثلة في ابتكار طرق  للتحكم في سلوك زوارها وتطبيق هذه الطرق بحيث تكون على النحو الأمثل غير ملحوظة وقابلة للاستمرارية الذاتية. وأخيرا، في إدراك هذه المؤسسات الثلاث حقيقة أن تجارب زوارها تتحق بواسطة حركتهم الفيزيائية ضمن فضاء العرض، فإنها تتشارك في اهتمامها بضبط الجوانب الأدائية في تصرف زوارها. كما أن تغلب هذه المؤسسات على ثنائية العقل/ الجسد لدى زوارها عبر التعامل معهم بوصفهم أساسا "عقولا تمشي"، يجعل كلا منها،  بطريقتها الخاصة، عبارة عن مكان "للمشي المنظم"، تصل فيه رسالة مقصودة على هيئة مسار موجه "إلى هذا الحد أو ذاك".

يقترح بينيت في كتابه مطلبان سياسيان متباينان تولدا بشأن المتحف الحديث: مطلب أن يكون هناك عدل في التمثيل بالنسبة إلى كل الجماعات والثقافات في نطاق أنشطة المتحف كالاقتناء والعرض والحفظ، ومطلب أن يحصل أفراد كل المجموعات الاجتماعية على الحقوق العملية والنظرية عينها في الوصول إلى المتحف. وتشكل الأمثلة المحددة والتفصيلية للمسائل التي يولدها هذان المطلبان السياسيان موضوع القسم الثاني من هذه الدراسة، فإذا كان همي في القسم الأول اقتفاء آثار الشروط التي سمحت لسياسة المتحف الحديث وتوجهاته السياسية بأن تبرز إلى الوجود وتأخذ الشكل الذي صارت إليه، فإن تركيزي ينتقل في القسم الثاني إلى انشغالات محددة بقضايا سياسية وتوجهات سياسية معاصرة معينة من صلب منظورات ما سميته بـ "المعقولية السياسية" للمتحف.

يستكشف بينيت في فصل خاص الفن والنظرية: سياسة اللامرئي" العلاقة بين ممارسات عرض الأعمال الفنية في أروقة الفنون وبين أنماط الاستعمال الاجتماعي لهذه الأروقـة. ويقترح فيه أن أروقة الفنون تبقى الأقل بين مثيلاتها من مؤسسات الاقتناء العمومية في تيسرها لعموم الجمهور. ويعود ذلك الأمر في غالبيته إلى التزام هذه الأروقة المستمر بقواعد عرض تستتبع أن يظل النظام الذي يكتنف الفن المعروض خافيا وعصيا على فهم أولئك الذين لا يمتلكون بالفعل المهارات الثقافية الملائمة. وقد صار هذا الوضع المتخندق للأروقة معاندا أكثر فأكثر في الوقت الذي صارت فيه فكرتا إمكان الوصول والمساواة تتغلغلان في كل مجالات الثقافة وتلعبان دورا في شرعنة الإنفاق العام على هذه المجالات.