معرض باريسي يغوص بزواره في معرض عمره يفوق القرن

متحف "موزيه دورسيه" الباريسي يجمع الزوار برونوار ومونيه ودوغا وبيسارو وسيزان وأعمالهم.

باريس - يحتفل متحف "موزيه دورسيه" الباريسي بمرور 150 عاما على نشوء الحركة التشكيلية الانطباعية من خلال معرض مميز بمثابة حدث في هذا المجال، إذ يضمّ مجموعة واسعة من أعمال أبرز رواد هذه المدرسة الفنية، ويتيح للزائر كذلك الانغماس افتراضيا في لحظة ولادتها.

ومن بين الأعمال المئة والستين تقريبا التي يضمها معرض "باريس 1874: ابتكار الانطباعية" روائع لفنانين من أمثال مونيه ومانيه ورونوار وسيزان ودوغا وسيسليه وموريزو، تتنوع بين لوحات وباستيل ورسوم ومنحوتات ونقوش، من بينها الكثير من الأعمال التي نادراً ما تعيرها المتاحف بعضها لبعض.

استٌقدِمَت نحو عشرين من هذه الأعمال من الولايات المتحدة حيث يقام المعرض ابتداءً من سبتمبر/أيلول المقبل في متحف "ناشونال غاليري أوف آرت" في واشنطن الذي يشارك في تنظيمه.

ومن بين هذه الأعمال المستعارة "بولفار دي كابوسين" (Boulevard des Capucines) لكلود مونيه من متحف نلسون أتكينز في كانساس سيتي، ولوحة "درس الرقص" (Classe de Danse) لإدغار دوغا من متحف متروبوليتان في نيويورك، و"السكة الحديد" (Le Chemin de Fer) و"احتفال بالأقنعة في دار الأوبرا" (Le Bal de l’Opera) لإدوار مانيه من "ناشونال غاليري أوف آرت".

وترافق تجربة قائمة على تقنية الواقع الافتراضي معرض الأعمال بشكلها المادي الذي ينطلق في السادس والعشرين من مارس/آذار ويستمر إلى 14 يوليو/تموز وقد يمدد إلى 11 أغسطس/آب لتمكين زوار باريس خلال دورة الألعاب الأولمبية من الاطلاع عليه، بحسب إدارة "موزيه دورسيه".

وشاء متحف "موزيه دورسيه" الذي يعتبر المرجع العالمي الأبرز للانطباعية استعادة لحظة محددة في تاريخ الفن التشكيلي استنادا إلى أبحاثه الأخيرة، تتمثل في أول معرض للأعمال الانطباعية.

وشرحت سيلفي باتري، أمينة المعرض مع آن روبينز، لوكالة فرانس برس أن هذا المعرض "افتُتح في باريس في 15 أبريل/نيسان 1874 في محترف المصوّر نادار" واسمه الأصلي غاسبار فيليكس تورناشون.

ولم يكن المعرض يومذاك يحمل بعد اسم الانطباعية، بل كان معرضا مستقلاً نظمته مجموعة تضم زهاء ثلاثين فنانا من كل الخلفيات، أرادوا الانعتاق من القواعد والطرق السائدة.

ومُنِي هذا المعرض "بفشل تجاري"، إذ بيعت من لوحاته المئتين أربع فحسب، لكنه شكّل نقطة انطلاق لشهرة هؤلاء الفنانين الذين أحدثَ أسلوبهم لاحقا ثورة في الرسم، على ما أكدت القيّمتان على المعرض.

وعمَد أحد النقاد الفنيين إلى تسمية هذا الأسلوب بـ"الانطباعي" على سبيل السخرية أثناء تأمله لوحة "انطباع، شروق الشمس" (Impression, soleil levant)، وهي أحد الأعمال التي عرضها كلود مونيه في هذه المناسبة، على قول باتري. وتمثل ميناء لوهافر (شمال غرب فرنسا) عند شروق الشمس، وبدت فيها الشمس كرة برتقالية تبرز على خلفية من ضباب وانعكاسات بحرية زرقاء.

ويُجهَّز الزوار بخوذات الواقع الافتراضي ليتمكنوا من أن ينغمسوا افتراضيا في مناخات الأمسية الافتتاحية لمعرض عام 1874.

وعلى مدى ساعة تقريبا، يتنقل الزوار بين طبقتين حيث يلتقون رونوار ومونيه ودوغا وبيسارو وسيزان وأعمالهم، ومن بينها لوحات الرسامة التشكيلية بيرت موريزو.

وأفادت رئيسة قسم التطوير الرقمي في متحفي "موزيه دورسيه" و"أورانجوري" انييس أباستادو بأن المعرض يوفر "مئة خوذة"، شارحة أن مساحة القسم المخصص للواقع الافتراضي البالغة نحو 550 مترا مربعا "تستوعب نحو 80 شخصا في الوقت نفسه، في مجموعات صغيرة من ثلاثة إلى ستة أشخاص".

وهذه التجربة الوهمية التي تنقل المشهد القديم بدقة شديدة، تعيد تكوين أماكن ولحظات في الهواء الطلق، من بينها حانة على ضفاف نهر السين والشرفة التي رسم منها مونيه ميناء لوهافر وشارع باريس بعربات الأجرة ومنحدرات إتروتا الصخرية في نورماندي (شمال غرب)، حيث يقوده جرو إلى مسند لوحة لرسامة تدير ظهرها.

وأوضحت المتخصصة أن "فرنسا عام 1870 كانت خرجت من الحرب الفرنسية- الألمانية التي خسرتها ضد بروسيا ومن حرب أهلية دامية. وكان من المتوقع بعد ذلك من الفنان أن يعيد تركيب التاريخ وأراد فنانو الحركة الانطباعية أن يرسموا العالم كما هو، في طور التغيير".

وأضافت "في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان عهد تطور الصناعة والمدن الكبرى والعولمة واعتبروا أن الرسم يجب أن يعكس هذا العالم الحديث".

وأشارت سيلفي باتري إلى أن المواضيع الجديدة استأثرت باهتمام الرسامين "كالسكك الحديد والمشاهد السياحية وعالم العروض، واضعين الإحساس والانطباع واللحظة الحالية في قلب لوحاتهم، تاركين محترفاتهم ومتخلين عن القواعد السائدة، راسمين الضوء الطبيعي".