مقاطعة فرنسا هي حرب أردوغان الاقتصادية

ليس في إمكان الإنسان العادي أن يفكر في ما يسكن عقل اردوغان ومن بعده جماعة الإخوان من خطط ومؤامرات.
الدول العربية الحاضنة للإخوان تقف وراء دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية
تركيا خائفة من تداعيات المقاطعة العربية لمنتجاتها

لو أمعنا التفكير في دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية التي انتشرت في الأونة الأخيرة لأكتشفنا أن جماعة الاخوان المسلمين هي الجهة الرئيسة التي تقف وراء الترويج لها.

فإذا كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد استقبح فعل القتل الذي تعرض له مدرس فرنسي ودافع عن مبادئ الجمهورية بطريقة بدت قبيحة بالنسبة للمسلمين فإن مؤسسات دينية في العالم العربي ردت عليه بطريقة متزنة غلبت منطق العقل على التفكير الغوغائي الذي صار يضع فرنسا في موقع العدو.

ولقد أُخذ الكثيرون ممن لم يفهموا شيئا مما قاله الرئيس الفرنسي بالشعارات التي صارت تزايد على حب الرسول وتدافع عنه بطريقة توحي كما لو أن هناك هجمة فرنسية منظمة تهدف إلى النيل من شخصيته.

وفي ذلك الشيء الكثير من تزييف الحقيقة.

وليس من المستبعد أن تكون تركيا بسبب خصومتها السياسية مع فرنسا قد استثمرت المناسبة لتشن من خلالها حربا اقتصادية تكون في الوقت نفسه بمثابة رد على مقاطعة عدد من الدول العربية للبضائع التركية.

وفي الحالين فإن المقاطعة لن تكون رسمية.

غير أن اللافت في الأمر وهو ما يستدعي الكثير من الشكوك في شأن علاقة تركيا والاخوان بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية أن عددا محدودا من الدول العربية كان الملعب لتلك المقاطعة، هي الدول التي يتحرك فيها الاخوان براحة ومن غير رقابة.

لقد أوعز الرئيس التركي لاخوته في التنظيم العالمي للاخوان المسلمين بأن تبدأ جحافلهم بالتحرك من أجل اعلان الحرب الاقتصادية على فرنسا عقابا لها بسبب ما ارتكبه رئيسها من جرائم في حق الرسول العربي.

كان الغرض سياسيا والغطاء دينيا.

ذلك ما اعتاد الاخوان عليه في مسعى منهم لفرض مشروعهم السياسي على المجتمعات التي يشعرون أن في الإمكان الهيمنة عليها من غير اللجوء إلى العنف.

غير أن الأمر بالنسبة لتركيا هذه المرة يبدو مزدوج الهدف. فالفعل سياسي بالدرجة الأساس كما يبدو من الخارج غير أنه في الأساس فعل اقتصادي يُراد منه زعزعة المقاطعة الاقتصادية التي فرضت في عدد من الدول العربية الغنية على البضائع التركية.

ولو عرفنا أن حجم الخسائر التركية بسبب تلك المقاطعة سيصل إلى حدود الستة عشر مليار دولار يمكننا تقدير وتفهم أسباب الهلع الذي أصيبت به تركيا من جراء تلك المقاطعة.

لذلك جهدت تركيا إلى التعامل مع أقوال رئيس فرنسا كما لو أنها صدرت من فرنسا وهو ما تبنته جماعة الإخوان المسلمين شعارا في حملتها ضد فرنسا في محاولتها لتسويق أفكارها عن الغرب الكافر الذي يجب إعلان الحرب عليه. وهي فكرة اخوانية قديمة يحرص الإخوان على تسويقها والتبشير بها من أجل اقامة حاجز بين المجتمعات المسلمة والعالم المعاصر.

كان الشعار بريئا من جهة محموله العقائدي وهو ما جذب إليه الكثير من الناس العاديين الذين ظنوا أن هناك مَن يتبنى رسميا الإساءة إلى نبيهم، بطريقة مقصودة.

ليس في إمكان الإنسان العادي أن يفكر في ما يسكن عقل اردوغان ومن بعده جماعة الإخوان من خطط ومؤامرات، لا تضع الفكرة الدينية إلا موضع استهلاك في سوقي السياسة والاقتصاد.

ولو نظرنا إلى الأمر من هذه الجهة لاكتشفنا أن اردوغان وجماعة الإخوان انما يسئيان إلى النبي أكثر مما فعلته الرسوم التي ذُبح بسببها مدرس فرنسي تصرف بغباء لن يكون صعبا الاستدلال عليه.

فأردوغان يتاجر بقضية النبي في مسألة سياسية لا تعني أحدا سواه وهو يروج لها أملا في أن لا تتعرض بلاده لخسائر اقتصادية بسبب المقاطعة الشعبية لبضائعها.  

اما الإخوان فإنهم يعبثون بالدين حين يضعون مسألة عقائدية حساسة في خدمة مصالحهم السياسية. وهم في ذلك لا يخونون الدين حسب بل يمارسون خداعا تاريخيا لن ينجوا من عواقبه.