مهرجان المسرح العربي يرسخ عُمان وجهة ثقافية رائدة
وسط حضور عماني عربي دولي من المسؤولين والمسرحيين والباحثين والأكاديميين وعشاق المسرح، افتتحت فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الـ15 المقامة على أرض سلطنة عمان تحت رعاية وزيرها للثقافة والرياضة والشباب ذي يزن بن هيثم آل سعيد، وذلك بمسرح مدينة العرفان بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض بمسقط، وقد بدأ بعزف فرقة موسيقى شرطة عمان السلطانية للسلام السلطاني، تلاه عزف مقطوعات موسيقية من الفرقة النسائية، ثم فيديو عن الأعمال المسرحية التي تتنافس على جوائز المهرجان في مساريها الأول والثاني.
وقد بدأ وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية ورئيس اللجنة الرئيسية للمهرجان سعيد بن سلطان البوسعيدي، كلمته مرحبا بضيوف المهرجان، وقال "حري بنا في هذه المناسبة الهيئة العربية للمسرح للوسط الثقافي العربي منذ أكثر من 15 عاما لتكون حاضة لأنشطة المسرح العربي، والفعاليات الثقافية المتصلة بالمسرح ومن ضمنها هذا المهرجان الذي تشرف على تنظيمه كل عام في دولة من الدول العربية مستهدفة دعم ورعاية المسرح والمسرحيين في جميع دول الوطن العربي وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على الأعمية التي يحتلها هذا الفن في منظومة الثقافة الخلاقة بوصفه محركا للإبداع وأحد أساليب التعليم الراقي".
وأكد أن مثل هذه الفعالية النوعية لتؤكد السعي الدؤوب لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب والتي تنص رؤيتها على جعل عمان وجهة ثقافية رائدة. وإننا نؤكد استضافة سلطنة عمان كل ما من شأنه في تقوية أواصر التعاون البناء وتعزيز تواصل الحراك الثقافي بين الدول لاسيما في محيطنا العربي.
أما الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله، فاحتفى في كلمته بسلطنة عمان وتعاونها، قائلا "مساءٌ للمسرح في مسقط التي تمطر بالمحبة والسلام، مساءٌ للمسرح في عُمان التي يحضرني الغزل فيها كلما ذكرتها، فمن ذا الذي سمع عنها ولم يعشقها، فالأذن تعشق قبل العين أحيانا، ومن ذا الذي رآها ولم يفتن بها؟ ومن ذا الذي سرح الطرف في الماضي ولم يرّ محاملها تمخر البحار شرقاً وغربا؟ ومن ذا الذي ذكر اسمها ولم يعطره لُبانها؟. إنها عمان، مزون، أرض مجان، والعمانيون صناع التاريخ وأخوة البحر والجبل والصحراء، ذكرها على اللسان حلوى، واسمها في الأنام فخر".
قلدوا عقد الغواني
بعضَ شعري في عُمان
فهْـــيَ من أغلى الجمان
صاغها فخراً جناني
قبلة الحبِ قديما
أصلها كان كريماً
نافست حوراً وريماً
وغدت تاج الحسان.
ولفت إلى أن المهرجان انطلق في عام 2009 وتنقل بين الحواضر العربية المختلفة من القاهرة إلى تونس وبيروت وعَمّان والدوحة والشارقة والرباط والكويت ووهران ومستغانم وتونس والقاهرة وعَمّان والدار البيضاء وبغداد وها هو يصل إلى مسقط، محملاً بكل ما منحته تلك الحواضر من صور الإبداع والثقة بأن لدينا في وطننا الكبير كنوزاً ما زالت قيد الاكتشاف وإعادة الإنتاج، كنوزا تعطينا حصانة التاريخ وجدارة الوجود، وأنتم يا خلاصة العصر من المسرحيين المبدعين أهل لتكونوا سدنة هذا الميراث العظيم.
وأضاف عبدالله "عندما تسقط حزمة ضوء على الخشبة فهذا يعني أن إنساناً مسرحياً فاض بالحلم، وعندما يُسمع وقع الخطى تدب على الخشبة فهذا يعني أن إنساناً مسرحياً قد أقدم على المغامرة وصعد جبل الحكمة، عندما ترتفع ستارة المسرح فهذا يعني أن يد مُلْهَمٍ مُلهِمٍ تجلو بالحقيقة عتمة تحجب الجمال والحقيقة، وعندما يصدح صوت الفنان المسرحي على الخشبة فهذا يعني أن الفن يعلن للكون صرخة قيامة ونهاية طغيان الجهل ونداءً من أجل الحياة، التي يكون فيها الإنسان هو الأغلى، الأعلى، والأحلى، الحياة التي تكون فيها الإنسانية نقية من شرور البشر، حياة هي حق لا منحة من أحد، حياة يكون العدل فيها سيداً لا عبداً أو مظلوما رهين جهل وعدوان".
وتابع "في المسرح وكأننا نقف على قمة شاهقة لننجو نحن والجمهور من الطوفان، طوفان الدم الذي يلطخ روزنامة هذا العصر، ولا يوقفه سوى استعادة الإنسان لإنسانيته، وطوفان الدم هو دم يطلب دماً، وثأرٌ يطلب ثأراً في حلقة لا تنتهي من الموت. في المسرح نبني سفينة الخلاص من خشب صدرونا، ونرفع شراعها من خافق قلوبنا، ونمنحها أكفنا وأعمارنا مجاديف لننجو وتنجو معنا قيم الحق والجمال والخير، قيم المسرح الذي خلقنا وخلقناه، أرادنا وأردناه، أرادنا حملة مشاعله ورسل رسالته وأردناه ملجأنا وخشبة خلاصنا".
وقال عبدالله "أيها المسرحيون، في اجتماعكم هذا إعلان بجدارتكم للحياة، وإعلان بجدارتكم للرسالة، وهنا أدعوكم وإياي إلى نكون بررة بالذي نحن بين يديه وألا نخون السيد النبيل المسرح، أن نخلص له حتى يكون للناس كما كان وكما ينبغي أن يكون، أن يكون للناس جميعاً كسرة معرفة تطفئ جوع العقول، وشربة فرح تروي ظمأ النفوس، ووردة فرح تهذب دور أكفهم وأياديهم، ونغمة تضبط إيقاع حركتهم، نعم كما كان وكما يجب أن يكون سكينة لأرواحهم، وأماناً لحياتهم ونوراً يعبر الجدران التي باتت تحيط بهذا الإنسان. فما معنى المسرح إن لم يكن كذلك؟، وما معناه إن انسلخ عن جلدته وعن مصير وصيرورة تاريخ البشرية، ولنذكر أن كل تحول وجديد شهدته مناهجه ومساراته ومدارجه، لم تكن سوى استجابة لتلك الصيرورة ومساهمة من المسرحيين في دفع الحياة والدفاع عنها. فلنتبصر، أي مسرح هذا الذي نرهقه ونهرقه على الخشبات؟ أي مسرح هذا الذي نريد؟ أي مسرح يجب أن نعطي ونبدع لنكون رسلاً وحملة رسائل؟ لنكون خطاباً جماعياً لجمهرة الناس، ولنكون جديرين بأن يختارنا التاريخ وتختارنا الذاكرة البشرية وتكتب أسماءنا في ألواحها بحروف الاعتزاز. ولنتذكر بأن الوردة لا تحمل سيفاً في وجه الكون كي يرى جمالها أو يتنسم ضوع عبيرها، والشمس إذ تعلن نفسها فإنها لا تجبر عباد الشمس أن يتبع ضوءها".
هل يغمض المسرحي عينه إلا على حُلُم؟
هل يفتح المسرحي عينه إلا على الحق والجمال؟
هل للمسرحي أن يختار غير مسالك النبلاء.
وأوضح عبدالله "هذا هو المسرحي الذي يمكن له أن يحدث الفارقة، فما المسرح إلا سجل شرف، يحمل في متنه أشرف القيم والسِيَّر. كونوا شموس أرضكم، كونوا علامات على دروب آمنة يعبرها البشر وهم يرددون تراتيل المجد، ازرعوا حكمة المسرح في عقول الكبار والصغار، ازرعوها على أرصفة الحياة وارسموها على جدرانها، وابحثوا عن الحرية في قلوبكم ونفوسكم تجدوها. الناس تحب أن ترى صورتها في صورتكم، فهل من المجدي أن نبحث عن صورتنا في مرايا الآخرين.. 'القمح مر في حقول الآخرين والماء مالح'. قد نجد في بعضها ما يشبهنا، لا بأس من التفاعل معه، أما أن نحاول التفاعل مع ما يناقض ملامحنا، ملامح تكويننا، وجيناتنا الحضارية، فإن الاغتراب بمعناه المؤلم نتاجٌ مؤكد، فلنلتفت إلى مرايانا أولاً، ثم فلنلتفت لمرايا الآخرين في الجهات الأربع لنبحث عن التقاطعات الجمالية والإنسانية، لنبحث عن سهوب تجمعنا ولنقرأ خارطة الجزر المنعزلة من باب الهوية. وأنسج على قول الشاعر وأقول: مسارحنا بلا طعم بلا لون بلا صوتِ، إذا لم تحمل المصباح من بيتِ إلى بيتِ. من هنا وبحضوركم أوجه التحية العالية للرجل الذي جسد كل هذه القيم وقام عليها، أرادها خبزنا وبيتنا والهواء الذي نتنفس، فكانت هيئتكم، الهيئة العربية للمسرح بيتكم، بيت المسرحيين العرب جميعاً أينما كانوا، إنها التحية لنَيِرِ عقله وعطاء قلبه وروحه الوثابة، إنها التحية للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، صاحب الفكرة والفضل لما نحن عليه الآن، ولما يحلم ونحلم أن نكون".
وختم "هنا مسقط، هنا التاريخ والجمال والمحبة.. حين اختارت الهيئة العربية للمسرح مسقط حاضنة لمهرجانها في الدورة الخامسة عشرة، اختارت الأحلام والآمال الكبيرة التي يرسمها ويعيشها المسرحيون العمانيون الذين يصنعون التاريخ في بلد هو حاضرة من حواضر التاريخ منذ فجر التاريخ، جاء تلبية لطموحهم ومحبتهم واستعدادهم، ولقد لمسنا دون شك نبلاً كبيراً وتضحيات كبيرة، واستعدادات لا تقل أهمية على كل الصعد الرسمية والأهلية في عُمان الثقافة والإبداع.
لذا لا بد أن نقول في حبها:
حلوة عمان يا بلادي الغالية لِ زاهية دائما في كل عين
إنت العظيمة والأبية يا عمان تاريخ لك يشهد على مر الزمان
أرض الأصالة والكرم شعب ومكان رب الزمان يحفظك طول السنين.
وأعقب كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، كرم المهرجان الفنان الفلسطيني فتحي عبدالرحمن والمدارس السعيدية التي كان لها دور بارز في نشأة المسرح العماني، وكذلك فرقة الصحوة المسرحية والجمعية العمانية للمسرح، وأبطال مسرح الشباب: د.عبدالكريم بن علي اللواتي، صالح بن زعل، فخرية بن خميس العجمية وطالب بن محمد البلوشي وأمينة بنت عبدالرسول ومحمد نور البلوشي وعبدالغفار بن أحمد البلوشي وبتول بنت خميس العجمية.
ووجه الفنان الفلسطيني فتحي عبدالرحمن الذي يكرمه المهرجان في هذه الدورة رسالة اليوم العربي للمسرح، التي أضاء جانب مهم من نضال الفنان الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وصولا إلى اللحظة الراهنة، التي أكد أنها تفوق قدرة الخيال الإنساني على التخيل، قال فيها "وُلِدْتُ في مُخَيَّمٍ للاجئينَ الفِلَسْطِينِيِّنَ، ودرستُ في مدارس وكالة غوثهم وتشغيلهم: الـ"أُونروا UNRWA". وفي المُخَيَّمِ كانَ لي حظُّ مُشاهدةِ أوَّلِ مسرحيَّةٍ في حياتيَ التي بلغتُ وإيَّاها السَّبعينَ عاماً ونَحْنُ نتنقَّلُ، مُتلازِمينِ، مِنْ مُخَيَّمِ لِجُوءٍ قَسْرِيٍّ إلى آخَرَ، سَواءٌ خارجَ الوطنِ الفِلَسْطينيِّ المُحتَلِّ أو داخِلهِ. وهكذا وَجَدْتُنِي، مع كل تجربةِ انتقالٍ تفرضُها الحَاجَةُ المَاسَّةُ، أَحْمِلُ كُتُبِيَ، ونُصُوصِيَ المَسْرحِيَّةُ إلى أينما ارتَحَلْتُ، وإلى حَيْثُما رُحِّلْتُ، لأبدأَ، مراراً وتكراراً مِنْ جَديدٍ، آملاً أنْ يتحقَّقَ الحُلْمَ بالعودةِ إلى فِلَسْطينِ الوطنِ، وطن الحريَّة، والكرامة، والاستقلال. وعندما عُدْتُ إلى وطني، عُقبَ توقيع "اتفاقيات أوسلو"، وجدتني أعودُ إلى أَكْبَرِ وأَعْتى سِجْنٍ عرفهُ التاريخُ، فَتابعتُ خطوي في درب الآلام المديد، كما تابعتهُ في مخيماتِ اللُّجُوءِ القَسْريِّ وبلادِ الشَّتاتِ. والحقُّ أَنَّني لم أجِدْ مُخَلِّصاً صَادِقاً غيرَ المسرحِ لِينْقِذَنِي من غُربتي، ووحْدَتي وقَهري، دأبْتُ على حَمْلِ خشبةِ مَسْرحِي المُتَنَقِّل على ظَهري، ورحْتُ أتنقلُ، وإياهُ، مِنْ موقِعٍ إلى آخَرَ من بينِ مئاتِ المَواقع في البلداتِ، والقرى، والمخيمات، فَوَجدْتُني أُمْعِنُ في التَّفاعُل مع من يُعَانُونَ بُؤسَ العيش ومرارةَ القهْرِ، وهَوانَ التَّمييز العنصريِّ، وغشامةَ استبدادِ جيشِ الاحتلالِ الصهيونيِّ، وضراوةِ تَوحُّشِه.
وأضاف "وهكذا أدركتُ، عبر صيرورة هذه التَّجْرِبَة المفتوحةِ، حَجْمَ الظُّلم الذي تعرضَ لَهُ زملائي وزميلاتي، المنتمون والمنتميات إلى المسرحِ بأوسَعِ معانيه وأعمقهَا، في المَعَازلِ الإجباريَّة القهريَّة التي فُرِضَتْ عليهم؛ إذْ عَايَشْتُهُم وهُمْ يُقَاتِلُونَ، بِصُدورِهُمُ العَاريةُ، من أجلِ أنْ يكونَ لهم مَسْرحٌ يُجَسِّدُ سرديَّتَهم الفلسطينيَّةَ الإنْسانيَّةَ الحضاريَّةَ التَّاريخيَّة المُؤصَّلة، ورؤاهم المستقبليَّةَ المفتوحَةَ على مستقبلٍ فلسطينيِّ إنسانيٍّ مفتوح، وهو مَا يُوجِبُ امتلاكهم، وممارستهم، في الحدِّ الأدني، حُقَوقَ: الحَياةِ، وحريَّةِ التَّنَقُّل، والتَّعبير، والوصولِ إلى المَعرفةِ، وفي صُلبها المعرفةِ المسرحيَّة، ناهيكَ عن حُقُوقِ التَّعَلُّم، وتبادلِ الخبراتِ، والوصولِ السَّلِسِ إلى المؤتمراتِ والمهرجاناتِ والنَّدواتِ وورشاتِ العملِ دُونَ عوائقَ مُفتَعَلةٍ يُرادُ لها أنْ تحولَ دونَ المُشَاركة الحيويَّة فيها. وإلى ذلك، لم يَكُنْ لِسُؤاِلنَا الحَيَاتِيِّ الوُجُودِيِّ الدَّائِمِ، كَمَسْرَحِيِّنَ فِلَسْطِينِيَّن داخلَ الوطنِ المُحْتَلِّ وفي مُخيَّمَاتِ اللُّجُوء القسريِّ وبلاد الشَّتات، أنْ يختلفَ، بأيِّ قدرٍ، عَنْ سُؤالِ شَعْبِنَا الحَيَاتِيِّ الوُجُودِيِّ الدَّائِمِ، الَّذي هُوَ: مَتَى يُرفَعُ الظُّلمُ الاستعماريُّ الاحتلاليُّ الثَّقيلُ عَنْ صَدرِ أرضِنَا، وعَنْ صُدُورِنَا، وعَنْ صُدُورِ أجيالِنا المتلاحقةِ منذُ ما يَربُو على ستةٍ وسبعينَ عاماً خَلَتْ؛ متى ينتهي هذا الكابوسُ الإمبرياليُّ الاستعماريُّ الصهيونيُّ الأسودُ القابضُ، بتوحُّشٍ منقَطِعِ النَّظيرِ، على رُوْحِ فِلَسْطِيْنَ، وشَعْبِهَا، والإنْسَانيَّةِ بأْسْرِهَا؟".