هجاء العرب لمناسبة جنوب أفريقيا

في كل حرب تخوضها حركة حماس ضد إسرائيل كان رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية يركب الطائرة من قطر في اتجاه طهران ليشكر مرشد الثورة الإيرانية على دعمه.

"جنوب أفريقيا هي شقيقتنا الحقيقية" تلك جملة صارت تتردد بسبب توجه الدولة الأفريقية إلى محكمة العدل الدولية دفاعا عن شعب غزة في مواجهة عمليات الإبادة التي تمارسها إسرائيل في حقهم بعدما حصل في السابع من أكتوبر السابق. تبدو الجملة كما لو أنها تقول الحق، ولكنه الحق الذي يُراد به باطل. ذلك لأنها تنطوي على رغبة خبيثة في هجاء العرب من غير استثناء. فالعرب بالنسبة لمَن يحمل ذلك الشعار قد تخلوا عن أهل غزة، بل أنهم قد سحبوا أيديهم من قضية فلسطين التي كانوا يزعمون أنها قضيتهم المركزية. كل هذا الكلام وسواه شبيه بالحماس الذي يبديه البعض للجماعات المسلحة الموالية لإيران المسماة بالمقاومة الإسلامية وهي تنشر الفوضى وتعرض حياة المدنيين للخطر بحجة معاقبة الولايات المتحدة على تأييدها للعدوان الإسرائيلي في حبن أنها في الحقيقة انما تقوم بذلك لإبعاد المسؤولية عن إيران ووضعها أيضا في مكان يؤهلها لإدارة ملفات معقدة في الشرق الأوسط مثلها في ذلك مثل الدول الكبرى.

من الضروري أن أسمي هنا مصر والسعودية باعتبارهما الدولتين المعنيتين بذلك الهجاء الذي وأن انطوى على قدر من الغباء فإنه لابد أن يكون مؤثرا وبالأخص في مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت منابر للتثقيف الجديد وصناعة وعي مضاد للحقيقة. ذلك عداء مبيت، نقف وراءه بشكل أساس جماعة الإخوان المسلمين التي صارت علاقتها العملية بإيران مكشوفة من خلال حركة حماس التي تقود الحرب من جانب غزة. غير أن تلك العلاقة لا تضع الحقيقة كلها على المائدة. فحركة حماس موجودة خارج إطار الأمن القومي العربي وهي مدعومة من قوى إقليمية غير إيران لها صلات عميقة بالأجهزة التي تتحكم بالقرار السياسي في الولايات المتحدة وهي الأجهزة التي يضع على وسادتها الرئيس الأميركي رأسه مطمئنا. وليس مهما هنا ما تعلنه الولايات المتحدة من دعم للعدوان الإسرائيلي. المهم بالنسبة للولايات المتحدة حقيقة أن حماس تناصب العرب العداء فهي جزء من اختراع غربي اسمه "الإسلام السياسي" الذي يرى في العروبة عدوا.

ذلك مشروع أميركي قاومته مصر والسعودية في الوقت الذي تعرض ميزان القوى في الشرق الأوسط على الجانب العربي إلى خلخلة عظمى بعد انهيار العراق وسوريا. انتصرت عليه مصر حين أنهت حكم الإخوان بعد سنة مهلكة أما رؤية السعودية لعام 2030 التي يقودها بشجاعة وجرأة وحكمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فإنها قطعت الصلة بماضيها السلفي واتجهت إلى التغيير مستلهمة قواعد بناء الدولة الحديثة. وليس خافيا على أحد أن الولايات المتحدة حاولت إعاقة الحدثين التاريخيين في المنطقة واللذين مثلا نقلة غير متوقعة في اتجاه العصر الحديث في وقت ذهبت فيه دول عربية عديدة إلى مناخات القرون المظلمة. ولأن مصر والسعودية كانتا عبر عقود من الزمن مسؤولتين عن إدارة الملف الفلسطيني في الحرب وفي السلم فإنهما تعرضتا للخيانة حين أدارت حركة حماس ظهرها لهما بعد أن هربت بقطاع غزة وفصلته عن فلسطين لا على المستوى الإداري والسياسي، بل وأيضا الإقتصادي والاجتماعي والثقافي. ما صارت الدولتان متأكدتين منه أنه "حماس" ليست سوى ذراع إيراني مضافة في المنطقة.

في كل حرب تخوضها حركة حماس ضد إسرائيل كان رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية يركب الطائرة من قطر في اتجاه طهران ليشكر مرشد الثورة الإيرانية على دعمه. هل علينا أن نبحث عن معنى لذلك السلوك؟ كان واضحا أن هناك رغبة في استفزاز مصر والسعودية باعتبارهما دولتين طاردتين للإخوان المسلمين، فكرا ونفوذا. غير أن الدولتين تصرفتا مع مسألة غزة بعقل سياسي، حرص على أن يضع المصلحة القومية فوق أي اعتبار. لم تبخل مصر بمساعيها من أجل التهدئة كلما تصاعد الصراع في غزة. في كل الحروب السابقة لعبت مصر دورا محوريا في إنهاء الحرب وهو ما استفادت منه حركة حماس. أما السعودية فقد كانت دائما قوة ضاغطة لتليين الموقف الغربي ودفعه للقبول برؤية معتدلة لإنهاء الصراع. لقد فعلت مصر والسعودية كل ما في وسعهما للحفاظ على حياة المدنيين في قطاع غزة بالرغم من علمهما المؤكد أن ذلك القطاع يُدار من قبل جماعة مسلحة معادية لهما.       
كان الإخلاص لجوهر القضية الفلسطينية هو الدافع في كل ما فعلته الدولتان. ولم يكن ذلك دافعا استعراضيا مريبا كما هو حال إيران. أما أن يتحول شكر "جنوب أفريقيا" وهي دولة لم تدفع ثمنا يُذكر ن أجل القضية الفلسطينية إلى مناسبة لهجاء دولتين قاومتا العالم من أجل عروبة فلسطين ففي ذلك ما يُريب.