د. محمد اسماعيل يؤرخ للدبلوماسية السعودية ويستشرف مستقبلها
تنهض الدبلوماسية السعودية في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان بدور فاعل في العالم سواء في المنطقة الخليجية أو العربية أو الإسلامية أو الدولية سواء على المستوى السياسي أو الإقتصادى او الاجتماعي، وهو الأمر الذي فرضه الدور المتعاظم لتلك الدبلوماسية الناجحة. ومن ثم فإن هذا الكتاب "التجربة السعودية رؤية المملكة واستشراف المستقبل" للباحث د.محمد صادق اسماعيل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، يشكل محاولة جادة للتعرف على الدبلوماسية السعودية عن قرب والبحث عن دورها الفاعل في ظل عالم متغير يموج بالأحداث والتفاعلات على كافة الأصعدة. مع السعى نحو تفعيل هذا الدور وتنميته ليقدم نموذجا فاعلا للدبلوماسية السعودية في ظل قيادة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان.
يرى اسماعيل في كتابه الصادر عن دار العربي الذي تتبع فيه محللا التاريخ الدبلوماسي السعوديوعلاقاته خليجيا وعربيا ودوليا، أن الاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية لأي إقليم تلعب دوراً كبيراً في تحديد ماهية العلاقات البينية لدول هذا الإقليم وأشكالها، وآليات التفاعل التي تحكم هذه العلاقات وتحديد مساراتها واتجاهاتها وأهدافها، فالعلاقات الدولية عادة هي انعكاس لمتطلبات واقع جغرافي وسياسي واقتصادي معين، يفرض على أطراف هذه العلاقة طبيعة السلوك السياسي المتبع في علاقاتها مع الأطراف الأخرى على الصعيدين الإقليمي والدولي. إلي جانب هذا، فقد أدت التطورات العالمية التي شهدها العالم عقب أحداث 11 سبتمبر مرورا بالاحتلال الأميركي للعراق وصولا للثورات العربية 2011 وتداعياتها بليبيا وسوريا واليمن وصولا للعام 2022 والذي شهد تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها عربيا وعالميا. وفي خضم تلك التفاعلات المتلاحقة برزت فعالية الدبلوماسية السعودية لتتعاطي بحكمة واقتدار فائق مع تلك الأزمات بما يحقق أمن واستقرار المجتمع السعودي من جانب، وبما يسعى للحفاظ على أمن الخليج العربي وكذا الأمن القومي العربي من جانب آخر.
ويشير إلى أن الدبلوماسية السعودية في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان ترتكز على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية ـ تاريخية ـ دينية ـ اقتصادية ـ أمنية ـ سياسية وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فعال في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. ومنذ تولى الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، كان للمملكة أدوارًا فاعلة على المستوى الخليجي فيما يتعلق بوحدة الصف الخليجي والذي برز جليا في قمة العلا التي كانت بمثابة قمة الاندماج والتلاحم بين الأشقاء في منطقة الخليج العربي، كما سعت الدبلوماسية السعودية للقيام بدور فاعل تجاه القضايا العربية بل بلورتها بشكل أكثر فعالية والذي تجسد في قمة جدة وبحضور الرئيس الأميركي جو بايدن الى أراضي المملكة. كما قامت بتدشين سياسات تعاونية تفاعلية مع القوى الكبرى مثل روسيا ودول الإتحاد الأوروبي الى جانب الولايات المتحدة والصين وغيرها مما أضفى تفاعلا سياسيا ودبلوماسيا مع القوى العالمية. وليس أدل على ذلك من الطرح الدبلوماسي الذي اقترحته المملكة للتوسط في حل الأزمة الروسية الأوكرانية بصورة سلمية.
ويوضح اسماعيل أن الدبلوماسية السعودية لم تكتف بجانبها السياسي، بل تفاعلت الدبلوماسية بما يحقق نجاحات اقتصادية كبيرة للمملكة وتجسد ذلك في الاستثمارات السعودية التي جعلت من المملكة أحد أكبر الاقتصادات العالمية، والأولى في المنطقة العربية، حيث تفاعلت الدبلوماسية الاقتصادية السعودية في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان مع التحديات العالمية خاصة عقب جائحة كوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية.
ويضيف أنه في الإطار ذاته تفاعلت الدبلوماسية السعودية مع القضايا الاجتماعية والإنسانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث ارتبط ذلك بالدوائر الخاصة للسياسة الخارجية للمملكة والتي انطلقت منها دعائم الدبلوماسية السعودية حيث تنوعت تلك السياسات وذلك على النحو التالي: أولا الدائرة الخليجية: تعتبر من أهم دوائر الدبلوماسية السعودية وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها.
ويرى إسماعيل أن الدبلوماسية السعودية في الدائرة الخليجية في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان ترتكز على أسس ومبادئ من أهمها: إن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسئولية شعوب ودول المنطقة وهو ما بدا واضحا في الترتيبات الأمنية التي عقدتها المملكة والقمم مع الدول الكبرى مثل قمة جدة مع الرئيس الأمريكي في يوليو 2022 والقمة العربية الصينية في الرياض في ديسمبر 2022 - حق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة، وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك في مواجهة تحديدات خارجية كانت أم داخلية - رفض التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول، والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من هذه الدول معتبرة إياه اعتداء على البقية - تعزيز التعاون فيما بين المملكة وبين دول المجلس وتنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية الاجتماعية، الثقافية.. الخ من خلال تعميق وتوثيق الروابط والصلات التي تجمعها مع هذه الدول - تنسيق السياسات الخارجية لدول المجلس قدر الإمكان، وبخاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية، وقد برز هذا التنسيق والتعاون جلياً في الأزمات التي مرت بالمنطقة وخاصة في الأزمة اليمنية والتنسيق السعودي الإماراتي المتواصل وكذلك التنسيق تجاه الأزمات خارج الأسوار الخليجية - العمل الدؤوب والجاد على تصفية كافة الخلافات (خاصة الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار - الحرص الشديد على أهمية التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة للتنسيق حول السياسات النفطية لدول المجلس، بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية لهذه الدول.
الدائرة العربية: سعت الدبلوماسية السعودية في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان الى تأكيد استراتيجية العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي، فيما يتعلق بالقضية الأم وهي القضية الفلسطينية الى جانب قضايا عربية حالية مثل الأزمة الليبية والسورية واليمنية واللبنانية بما يحقق الأمن والإستقرار في العالم العربي.
تقوم أسس هذه الدائرة ـ وفقا لإسماعيل ـ على: حتمية الترابط بين العروبة والإسلام، فالمملكة تمتاز بكونها مهد الإسلام ومنبع العروبة، وهذا تأكيد سعودي دائم منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وأبنائه من بعده وصولا لعهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان - ضرورة التضامن العربي بما يقتضيه ذلك من التنسيق بين الدول العربي بهدف توحيد المواقف العربية، وتسخير كل الإمكانيات والموارد التي تملكها الدول العربية لخدمة المصالح العربية - الواقعية والمتمثلة في البعد عن الشعارات والمزايدات المضرة لأمن واستقرار العالم العربي، والبعد عن التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية - الالتزام بمبدأ الأخوة العربية من خلال تقديم الدعم والمساعدة بكافة أشكالها.. وفي هذا الإطار أولت حكومة المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية، ولا غرر في ذلك والمملكة تحمل على عاتقها منذ عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود الدفاع عن القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية ولم تتخاذل أو تتقاعس يوماً عن نصرة القضية تحت أي ذريعة بل نذرت نفسها لخدمة القضية نحو الوصول إلى حلول أو تسوية عادلة.
- الدائرة الإسلامية: ويمكن القول أن دبلوماسية الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان في الدائرة الإسلامية سعت إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التالية: أولا تحقيق التضامن الإسلامي الشامل.ثانيا فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية تهدف إلى دعم قدراتها ومواردها على مختلف المستويات. ثالثا العمل على تطوير منظمة التعاون الإسلامي ودعم أدائها لتحقيق المزيد من الفاعلية لمواجهة المشكلات التي يتعرض لها العالم الإسلامي. رابعا تفعيل دور الدول الإسلامية في ظل النظام العالمي الجديد. الى جانب تقديم الدعم والنصرة لقضايا العالم الإسلامي في جميع دول العالم، والدفاع عن حقوقهم الشرعية وفق مبادئ القانون الدولي العام. مع تقديم الصورة المشرقة والحقيقية للدين الإسلامي وشريعته السمحاء.
ـ الدائرة الدولية: تعتبر من أهم دوائر الدبلوماسية السعودية في الوقت الحاضر وذلك لأسباب عدة أهمها التفاعلات والاتفاقات التي دشنتها المملكة مع الأقطاب الدولية، إلى جانب التحالفات الجديدة بين المملكة والقوى العالمية والتي أرست دبلوماسية تفاعلية جديدة مع النظام الدولي في ظل قيادة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان. تستند على أسس ومبادئ مستقرة وواضحة ومنها: الحرص على التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها وقواعد القانون الدولي التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة وهو ما برز في القمم المختلفة سواء قمة جدة يوليو 2022 أو قمة الرياض ديسمبر 2022 التي أسست لريادة سعودية على المستوى الدولي.. والتزام المملكة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وبعدم التدخل في الشئون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تحل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم.