برهم صالح وعادل عبدالمهدي وحكاية وطن

سياسيان وصلا إلى ذروة الموقع السياسي يواجهان مسؤولية بلد وصل إلى قاع تدهوره الخدمي والاجتماعي والسياسي.

بدايةً اتساءل: هل سيصلح برهم صالح ويعدل عادل عبد المهدي ما افسده الفاسدون؟

رغم حجم الألم، وحجم الدمار والخراب الذي لحقه الفاسدون بالوطن، إلا أن المتتبع للوضع السياسي العراقي، لم يوصد أبواب الأمل ويزحف بروحه خارج منصة المفاجئات.

لو تمعنا بمنصب رئيس جمهورية العراق في دورته الماضية والدورة التي قبلها، لإستنتجنا وبما لا يقبل الشك، بأن الشخصين اللذين تبوؤا هذا المنصب وهما فؤاد معصوم ومام جلال، لم يكونا اهلا لهذا المنصب بكل المقاييس الرئاسية، فقد كانا منشغلين بمصالحهما الشخصية أكثر من انشغالهما بالوطن وكأن هذا المنصب اصطادوه او تلاقفوه ليزداد كلا منهما ثراءً، وعزلة تامة عما يجري في العراق، فهما لم يكونا سوى أسمين مُنحا هذا المنصب وفقاً للمحاصصة السياسية والطائفية حتى بدا الأمر وكأنهما مزهرية وضعت في ركن البيت.   

مام جلال استنزف خزينة العراق لأربع سنوات في علاجه وسفره إلى المانيا أن لم نأخذ بنظر الاعتبار مستشاريه وحماياته الشخصية، ومثله معصوم استنزف خزينة العراق هو ومستشاريه وحاشيتة والحمايات الشخصية الذين افرغوا خزينة العراق. والسؤال هنا: ما الذي قدمه للعراق هذان الشخصان، وما الذي استفاده العراق منهما؟

وحتى لا يحسبني البعض ممن لديه لوثة عقلية ويعتقد بأني ضد توجه الاخوة الأكراد في نيل منصب رئيس الجمهورية، سأسبقهم في قراءة افكارهم الواهمة واقول مبدئيا الوطن للجميع، والوطن لا تحدده هوية كردي او عربي او تركماني، الوطن تحدده هوية الوطنيين الشرفاء المخلصين في إنتماءاتهم، وولاءاتهم للوطن، فحينما يتوجع ابن اربيل يصرخ قبله بألم ابن البصرة، وحينما يفرح ابن المثنى يطرب له ابن سليمانية ويرقص لفرحه، ومثله يتوجع ويفرح ابن الرمادي وتكريت ونينوى بمحبة ووفاء وطيبة، وهكذا هو الوطن بيت لجميع العراقيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وآيديولوجاتهم وافكارهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية والدينية.

وحتى اكون قريبا من الصورة الواقعية، الصورة التي نرصدها كعراقيين ونتفاعل مع إنعكاساتها.

لو تأملنا شخصية برهم صالح، السياسي العراقي، المعتدل بآراءه، الهادئ بطبيعته، غير المتشنج، لرأينا فيه شخصية وطنية، أكثر انسجاما لهذا المنصب، حيث يمتلك الكثير من المقومات التي تدعوا للتفاءل في هذه المرحلة بالذات رغم حجم الألم الذي يغلف العراقيين، فالرجل مثقف، متنور، اكثر تماسكا وتفاعلا مع قضية العراق، يختلف تماما عمن سبقه في تولي منصب رئيس الجمهورية، وعلينا إلا نستبق الحدث ونطلق عليه حكماً ارتجاليا قبل أن نجربه لنعرف صدق نواياه من عدمها.

لو اجرينا إستبيان في وسط وجنوب العراق، لرأينا غالبية العراقيين، وتحديداً العرب منهم ينحازون إلى شخصية برهم صالح، رغم أنهم لم يجربوه من ذي قبل، ولكنهم يستشعرون ان شخصيته مختلفة تماما عن شخصية من سبقه، فالرجل هادئ في طبيعته وغير متشنج، ومثقف، وصاحب ابتسامة تعلو محياه، ويتحدث بأسم العراق والعراقيين ككل وليس بأسم كردستان، لأنه يعتز بعراقيته قبل كل شيء، وهذا ما يجب ان يشعر به من يمثل العراق في منصب رئيس جمهورية العراق.

ولأنه الآن يشغل منصب رئيس جمهورية العراق، سأوجه له وللسيد عادل عبدالمهدي بعض التساءلات المنطقية وهي عبارة عن رصد ومتابعة لما يجري في الساحة العراقية.

في الزيارة الأخيرة التي قام بها السيد برهم صالح مع صديقه ورفيقه السيد عادل عبدالمهدي إلى اهوار الجنوب، تولد في الشارع العراقي سؤالاً كبيراً، ربما بحجم عذابات العراقيين، وبحجم يأسهم، ومعاناتهم، وهذا السؤال يفترض ان نطرحه لهما على شكل نقاط محددة:

ماذا لو كانت زيارتكما لأهوار الجنوب تتكرر مرات ومرات لأستقصاء الحقيقة عما يدور ويجري وراء كواليس المناصب السياسية، ووراء كواليس حياتكما المنعمة المرفهة والمغروسة بالسلام والأمان وبكل ما يشتهيه المرء؟

هل ستكون زيارتكما لأهوار الجنوب بداية لزيارات مكثفة لعوائل وفقراء الوطن لمعرفة الحقيقة، ولمعرفة طبيعة الإنسان العراقي الذي يرزح تحت سطوة الألم والفقر والضياع؟

هل ستكون زيارتكما بداية مشوار لتغيير خاطة الوضع السياسي والأجتماعي والأمني في العراق؟

هل ستفكران بزيارة من يقبعون في السجون لتكونا اكثر وضوحا ولتتطابق مفاهيكما وآراءكما مع المفاهيم الإنسانية ومفاهيم حقوق الإنسان؟

هل ستفكران بزيارة المدارس في المدن والقرى والقصبات البعيدة لترون ماذا يجرى وراء الكواليس من اساءة بالغة لقيم التعليم وبنود حقوق الإنسان، ولترون كيف يهان الطفل العراقي وهو يفترش الأرض في بلاد يغذي بترولها كل الدول الكبرى، وايراداته النفطية تبني مليون مدرسة نموذجية في السنة الواحدة؟

هل ستفكران بزيارة دوائر الجوازات، والأحوال المدنية لترون حالات التلاعب وكأننا في مجتمع يحكمه قانون الغاب؟

هل ستفكران بزيارة المستشفيات ودوائر البلديات لترون العجب العجاب، لتَرَوُنَّ الجحيم؟

هل ستفكران بزيارة دوائر التقاعد، وما ادراك ما التقاعد، ومن الذي يديرها وكيف؟

هل ستفكران بالنزول إلى الشارع العراقي وجها لوجه لرصد الحقيقة أم ستوصدان ابوابكما كما فعلها من قبلكما وتكونا مثل طائر هارب بلقمته لا يريد ان يحط على اي شجرة او غصن خوفاً أن يشاركهُ طائر آخر ويتقاسم معهُ تلك اللقمة؟

هل ستفكران بزيارة الأماكن التي يسكنها مواطنون من جنسكم ومن بلدكم، وهم يفترشون الشوارع والطرقات بيوتاً لهم، او ما يسمى بالمصطلح الغريب المستهلك "بيوت الحواسم"؟

هل ستفكران بإزالة الحواجز المصطنعة ومسخ النظرية المغلوطة وتمنحون المواطن العراقي حقوقه في إيجاد سكن يليق به، سكن مجاني وخدمات مجانية، وبطبيعة الحال هي ليست منح مجانية من جيوبكم واموالكم الخاصة بل هي من اموالهم كعراقيين لديهم الحق كل الحق في العيش بكرامة آدمية حالهم حال من يعيش مرفهاً في المنطقة الخضراء، يستحلب امواله من نفط الوطن، متناسياً أن الوطن للجميع ونفط الوطن للجميع، وليس لشخصٍ او لأشخاصٍ معينين لا يعرفون من الوطن إلا أسمه في خارطة الأوطان؟

هل ستفكران بإعادة الوطن الضائع المسروق المنهوب إلى وطنه الأم المحاصر بالوجع الذي أسمه العراق، ومحاسبة كل السارقين والعابثين بأمنه أم أنكما ستطلقان حملة أبجديات حروفكم الثلاثية (سوف) التي طالما سبحت في بحيرات الوهم لأكثر من 15 عاماً، حتى أنها قدمت بلاغاً إلى هيئة اللغة العربية مستنكرة ممن تلاعب بها وقلل من قيمتها اللغوية؟

ما الذي تخسراه لو جندتم بعضاً من مستشاريكم في التقصي عن الحقائق بدلاً من جعلهم يبيعونكما سرداً وهمياً وتلميعاً لوجوه مصطنعة من باب "بضاعتنا ردت إلينا"؟

وهنا بودي أن اقول: إياكم والوثوق بمستشارين لا يجيدون العزف على ناي الألم، ولا يعرفون معنى دمعة الفقراء.

ما الذي تخسراه لو جندتم مستشارين كفوئين حقيقيين وطنيين ليس بينهم وبين المواطن جسور من عقد وأمراض نفسية، وليسوا مستشارين ضعيفين منافقين وهميين لا يرون إلا صورة مصالحهم ومنافعهم الشخصية ومصالح ومنافع عوائلهم واقرباءهم؟

من المفارقات غير المتوقعة في هذه الدورة البرلمانية هو تكليف السيد عادل عبدالمهدي الذي يتناغم أسمه مع أسم صديقه ورفيقه السيد برهم صالح، وهنا ايضا بودي القول:

هل سيصلح ويعدل برهم صالح وعادل عبدالمهدي ما افسده الفاسدون طوال هذه السنوات العجاف؟

وهل سيزيح عادل عبدالمهدي الشكوك والظنون التي تطارد الكثيرين من العراقيين، وهل سيكون عادلاً كأسمه؟

وهل سيعيد إلى الأذهان صدى سمعة والده الطيب الذكر المرحوم السيد عبدالمهدي المنتفجي وزير المعارف في حكومة جعفر العسكري الثانية 1926 ليكون مكملاً لمشوار والده في طريق الخير؟

هذا ما نتمناه، وهذا ما نحسن به الظن رغم اطنان الألم الذي يغلف حياتنا ليل نهار.

السيدان عادل عبدالمهدي وبرهم صالح.. للتذكير فقط:  أن نهاية المشوار السياسي لأي شخصية سياسية مهما كان إما ان يكون نجماً مضيئاً في ذاكرة الأجيال مثل نلسون ماندلا، والمهاتما غاندي وغيرهم ممن تركوا بصماتهم الطيبة حاضرة في المجتمع الإنساني او أن يكون في سلة خبر كان يستجدي شفقة الأجيال وهذه حقيقة لا جدال فيها.

وأنا اقول: السياسي هو صاحب القرار الأخير إما أن يكون او لا يكون، إما أن يكون نجماً مضيئاً في سماء الوطن والإنسانية او يكون غيمةً عابرةً لا يذكرها حتى الليل.

أتمنى عليكما السيدين برهم صالح وعادل عبدالمهدي ان تتركا اثراً كبيراً في ذاكرة الوطن ليكون اكبر من عمركما، واكبر من عناوين المناصب، واكبر من حجم الكتل السياسية، واكبر من كل الأسماء والتسميات والمسميات، وتذكرا أن قطار العمر في طريقه إلى محطاته الأخيرة، فأتركا ذكرى واثراً بليغاً في ذاكرة الوطن والمواطن ليكونا لكما آخر الزاد في هذه الحياة الدنيا.