هيمنة الشعارات الانتخابية في الكويت على الاداء السياسي

من دون رفع مستوى الناخبين وتمكينهم فكريا وسياسيا من اختيار من يمثلهم تمثيلا حقيقيا، تبقى السياسة في الكويت تدور حول نفسها.

يبدو أن اختيار احد المرشحين والادلاء بالصوت في الانتخابات البرلمانية القادمة في الكويت لم يعد بالأمر اليسير، خاصة لمن ينشد الاصلاح ويستهدف التغيير، ويبحث عن ممارسة تشريعية تؤدي الدور المناط بها كما قررها الدستور.

تتناول الاطروحات الانتخابية هذه السنة جملة من القضايا التي سبق ان تم التبشير بها في الدورات الانتخابية السابقة، ومن اهمها القضايا المتعلقة بالفساد، والتوظيف والصحة والتربية، اضافة لجملة من المطالبات المتعلقة باسقاط القروض، وحل المشكلة الاسكانية، وضبط الاسعار وغيرها.

ويتفق اغلب المرشحين على اهمية اختيار الوزراء من الكفاءات الوطنية، والخروج من دائرة المحاصصة الطائفية والقبلية التي خلفت حكومات غير منتجة عصف بها الفشل والتخبط، وثمة بعض من يدعوا الى تعديل النظام الانتخابي فيما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، وذلك من خلال جعل الكويت دائرة انتخابية واحدة.

لو استعرضنا اهم الاسباب التي تقف خلف اخفاق الناخبين في اختيار المرشح الافضل لتمثيلهم في البرلمان، فيمكن حصرها بالتالي:

السبب الأول - بيع الوهم: اصبح بيع الوهم من تقاليد العمل السياسي اثناء فترة الانتخابات الكويتية، حيث يقدم المرشح سيل من المطالبات والوعود والانجازات بغرض تحقيقها حال الوصول الى المقعد البرلماني، لكن الحكومة تعرف انه كاذب، والناخب يعرف انه كاذب، والمرشح يعرف أنه كذلك، لكن تقاليد المنافسة واقتناص الصوت في السباق الانتخابي يبرر خداع الجماهير والالتفاف على الوعود، يتسبب ذلك تاليا في تردد الناخبين من تصديق الوعود المعلنة اثناء فترة الترشح، والخلط بين المرشح الصادق وغيره.

السبب الثاني - رفع السقف: طالما أن المرشح مطالب بتقديم حزمة من الوعود والكلام المجرد عن الاداء السياسي، فمن الطبيعي ان تنتشر المفاهيم المخادعة، ومن أبرزها مصطلح "رفع السقف" اثناء فترة الانتخابات، ويعني ان المرشح من حقه ان يتجاوز اغلب الخطوط الحمراء في الهجوم على الحكومة والنيل منها، والظهور كمعارض سياسي، لكنه بعد الفوز يتحول الى نائب حكومي، ويعقد صفقات سياسية معها، ولذلك فان الحكومة لا تتحسس عادة من هذه الخطابات ذات السقف المرتفع لانها تعلم ان الاغلب سيخفض من صوته بعد الفوز، ويدخل تحت جناحها.

السبب الثالث -الاستغفال الديني: يقدم بعض المرشحين خطابات دينية ومنبرية بدلا من الخطابات السياسية والتنموية، في محاولة لكسب عواطف الناخبين والسيطرة على عقولهم، لاسيما وأن النساء يمثلن كتلة انتخابية كبيرة ومؤثرة، يتحدث خلالها المرشح عن بناء المساجد ومحاربة البدع والدفاع عن الدين، لكنه ينشغل بعد الفوز بجمع الاموال وشراء الاراضي والاستثمار في المناقصات الحكومية.

هذا ما حدث في القضية المشهورة باسم الايداعات المليونية عام 2011، والتي بلغت قيمتها حوالي 51 مليون دينار كويتي اودعت في حساب عدد من النواب، لكن تم حفظ البلاغات المقدمة من قبل النيابة العامة نتيجة لوجود قصوراً تشريعياً في جانب قضايا التكسب غير المشروع.

السبب الرابع - سرقة الشعارات: اغلب الخطابات الانتخابية للمرشحين هي قص ولصق من مرشحين سبقوهم او من كتاب مقالات مميزة يتم استقطاع وسرقة افكارهم لصالح حملات النواب الانتخابية، وفي الغالب فان استحسان الناس لشعارات احد البارزين تدفع بقية المرشحين لاستنساخ شعاره وتكراره بعد التعديل عليه وتحوير مفرداته وتغيير الوان اعلانه، فلم يعد مستغربا أن يتبنى المرشح قضايا وعناوين لا يؤمن بها ويخالفها في مواقفه البرلمانية، لانها اساسا افكار مستوردة.

ومن الطبيعي ان من يستنسخ شعارات وخطابات غيره لا يمكنه العمل بها او تبنيها بعد فوزه. لكنه يثير ضبابية عند الناخب في تمييز صاحب الاطروحات الفكرية والسياسية عن من يستوردها من الاخرين.

هذه الاسباب تجعل من عملية الاختيار اجراء معقد للغاية، حتى بدأت تظهر بعض الاصوات تطالب بمقاطعة الانتخابات، نظرا لرداءة الاداء البرلماني، ورداءة مخرجات العملية الانتخابية، واستغفال النواب للناخبين لتعزيز ثرواتهم او نفوذهم على حساب المصالح العامة.

ويقابله رأي اخر يحث على ضرورة المشاركة الفعالة لتجنب انزلاق البرلمان بالكامل في دائرة النوعيات الرديئة من النواب، ويطرح اصحاب هذا الرأي فكرة ايصال المرشح الاقل سوءا، طالما كنا مخيرين بين السيئ والاسوأ، اذ لا يمكن ترك ساحة البرلمان مع اهميتها ودورها المحوري في تشريع القوانين والرقابة على أداء الحكومة.

من وجهة نظر ثقافية، أعترف بإن اصلاح المشهد الانتخابي امر يتخلله الكثير من الصعوبات، لكنه ممكن باتخاذ جملة من التدابير على رأسها تكثيف الوعي السياسي والحقوقي عند المواطنين، فكلما ارتفع وعي الناس واستيعابهم لحجم التحديات السياسية، تتأكد حاجتهم لنواب وبرلمانيين يقدمون رؤى سياسية خلاقة وحلول مبتكرة للازمات التي يعاني منها الوطن.

وكلما تعرف الناس على حقوقهم ومساحاتها في الدستور والقانون، كلما ساعد ذلك على تقليل فرص استغلال المرشحين لمكامن الضعف لديهم، فالمعاملات تُنجز بضمانات قانونية مستحقة، وليس باستثناء نواب الخدمات، وتُسهل بإجراءات ادارية سليمة وليس بواسطة من بعض المتنفذين.

بمعنى آخر فان مسارات الاصلاح السياسي تقتضي رفع مستوى الناخبين وتمكينهم فكريا وسياسيا من اختيار من يمثلهم تمثيلا حقيقيا، ومواجهة خط التجهيل السياسي والذي اعتمد عليه الكثير من المرشحين من خلال رفع شعاراتهم الوهمية لخداع الناس وتضليل الجمهور، وتحقيق الاغراض الشخصية على حساب مصالح الناخبين.