النهضة تستسلم في معركة الدفاع عن الشاهد

الحركة الاسلامية في تونس تضطر للالتحاق بالإجماع الوطني على تشكيل حكومة بديلة مكلفة بتنفيذ الإصلاحات الكبرى وتحقيق الاستقرار.
النهضة تبدل موقفها من الشاهد على مراحل
قادة تونس يتفقون على 63 نقطة لحل الأزمة

تونس ـ رغم كل الجهود الممزوجة بنوع من التعنت التي قادتها حركة النهضة خلال اجتماعات لجنة قرطاج 2، فقد خسرت الحركة معركتها مع الأطراف الموقعة على الوثيقة في ظل الإجماع على تغيير هيكلي وفي العمق يقضي برحيل الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد ولم يبق لها سوى أن ترفع غطاءها السياسي عنه وتضطر للالتحاق بحالة الإجماع.
وعلى الرغم من ترحيل اجتماع الجمعة  حول أزمة الشاهد إلى اجتماع سيعقد الإثنين، فقد بدت المؤشرات تصب في خانة القوى السياسية والمدنية التي أجمعت على رحيل الشاهد في ظل تصريحات الموقعين على الوثيقة بأنه تم الإجماع على إجراء تغيير هيكلي وفي العمق من خلال تشكيل حكومة ترأسها شخصية جديدة تتولى تنفيذ 63 نقطة تم الإجماع حولها بشأن الإصلاحات الكبرى.
وفي أعقاب اجتماع الجمعة أقر رضا الشكندالي ممثل النهضة في لجنة قرطاج 2 بأن الحركة غيرت من توجهاتها وأبدت مرونة في التفاوض مع بقية الأطراف.
وقال الشكندالي متحدثا لميدل ايست أونلاين مساء الجمعة "أعتقد أننا سوف نصل إلى توافقات خلال الاجتماع القادم وننهي الأزمة دون المرور إلى البرلمان".

وكان الرئيس قائد السبسي شدد خلال كلمة في افتتاح الاجتماع على "هناك إجماع على كل النقاط 63 المتعلقة بالإصلاحات الكبرى في مختلف المجالات عدا النقطة 64 المتعلقة، برحيل الشاهد من عدمه في تلميح إلى أن الجهة الوحيدة المتمسكة به هي حركة النهضة.
وأضاف السبسي أن مسارات التفاوض تشير إلى أنه بالإمكان التوصل أيضا إلى إجماع حول أزمة الشاهد، لافتا أنه إذا ما استحال ذلك سنلجأ إلى المرور إلى البرلمان.

الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في اجتماع قصر قرطاج
قد نلجأ الى البرلمان

وفي أعقاب الاجتماع وجه الامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي انتقادا واضحا للنهضة مشددا على أن كل الأطراف توصلت إلى الإجماع عدا النهضة، وتساءل "هل من المعقول أن ترى الحركة أن الحكومة فاشلة في ادارة مؤسسات الدولة والشأن العام وأن رئيسها نجح في إدارتها".
من جهته كرر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح لوسائل الإعلام بلهجة تستبطن الإحساس بالإحباط أن النهضة متمسكة بالشاهد حفاظا على الاستقرار السياسي بالبلاد.
غير أن الشكندالي شدد على أن حالة الإجماع ستقود بالنهضة إلى مراجعة موقفها وترفع غطاءها السياسي عن الشاهد طالما أن هناك إجماع مراعاة للمصلحة الوطنية العليا.

هل من المعقول ان تفشل الحكومة وينجح رئيسها!

وبرر الشكندالي تمسك النهضة بالشاهد بما قال "إن النهضة تؤمن بأن الاستقرار السياسي هو الكفيل بتوفير الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي" لافتا إلى أنه "من شأنه أن يقدم صورة إيجابية لتونس على أنها بلد مستقر بما يطمئن شركاءها وأصدقاءها والمحافل الدولية والمؤسسات الاستثمارية".
وتبدو رؤية النهضة بالنسبة لحزب نداء تونس العلماني رؤية مقلوبة إذ يرى الحزب أن الاستقرار السياسي يبقى رهن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأن فشل سياسات الشاهد قادت إلى صورة سلبية لتونس تجاه الخارج سواء منه شركاءها أو المؤسسات الإقليمية والدولية المانحة.
وطيلة فترة تمسكها بالشاهد لم تقدم النهضة أي خلفية للتمسك عدا اجترار مفردة الاستقرار السياسي رغم الإجماع على أن الحكومة لم تحقق لا الاستقرار السياسي ولا الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ولا حتى استقرار الفريق الحكومي بعد انسحاب عدد من الأحزاب وفي مقدمتها آفاق تونس والحزب الجمهوري وحركة الشعب.
وبالمقابل تمسك اتحاد الشغل بأن يترافق التغيير الهيكلي للحكومة مع برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة تكون كفيلة بإرساء مشروع تنموي ذي مضمون اجتماعي، وهي مطالب تنسجم مع موقف بقية الأطراف بما فيها النداء. وقد عبر رئيس النداء حافظ قائد السبسي عن ذلك في تدوينة له على صفحته الرسمية في فيسبوك.

ولعل ذلك ما دفع بالنهضة إلى التخفيف من حدة تمسكها بالشاهد وإلى التقليل من حدة خلافاتها مع الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج تمهيدا لتغيير موقفها.
وفيما وصف الطبوبي الخلاف مع النهضة بالجوهري قال رضا الشكندالي "لا توجد خلافات جوهرية للنهضة لا مع اتحاد الشغل ولا مع النداء ولا مع نقابة الأعراف".
وبرأي الشكندالي، فإن الاجتماعات أظهرت "تباين الآراء لا الخلافات الجوهرية معتبرا أن في ذلك عنصر تكامل بين الرؤى".
واعتبر المحلل السياسي الهاشمي نويرة أن "الأمر قضي" بشأن الأزمة السياسية بعد توصل جميع الأطراف عدا النهضة إلى الإجماع حول مسألة التغيير الحكومي.
وقال نويرة رئيس تحرير جريدة "الصحافة اليوم" الحكومية " قد لا يكون خافيا أنّ موقف النهضة لا يُمليه التَمَسُّكُ المبدئي بالشاهد بقدر ما هو سعيٌ ولَهَثٌ وراء تحسين شروط التفاوض في علاقتها بالحكومة المقبلة وتحصيل أكبر المنافع والضمانات".
وشدد نويرة يقول "المطالبون بالتغيير الشامل تعزّز موقفهم فيما يبدو، ويذهب بنا الظنّ أن قبولهم بمبدأ اجتماع آخر يوم الاثنين المقبل هو إحساسٌ قد يَصِلُ الى درجة الاقتناع بأنّ الموقف العام تحرّك في اتجاه القبول بتنحية الشاهد".

الشكندالي: النهضة مرشحة لتغيير موقفها من الشاهد
الشكندالي: النهضة مرشحة لتغيير موقفها من الشاهد

ويرى مراقبون أن النهضة خسرت مراهنتها على عدة فرضيات منها انتصار الرئيس الباجي لها على حساب اتحاد الشغل ومنها المراهنة على ترحيل الأزمة إلى البرلمان إذ لم يتردد السبسي في التشديد على أنه لا داعي إلى اللجوء إلى البرلمان في ظل الإجماع.
وأشارت متابعات الاجتماعات الى أن النهضة انتهجت سياسة التراجع عن تمسكها بالشاهد خطوة خطوة في محاولة للحفاظ على صورة المفاوض المناور.
وقال الهاشمي نويرة "اعتقادنا أن جبهة التغيير ما كانت لتقبل بذلك لولا اليقين بأن بَوادرَ للحل لَاحتْ في الأفق، حيث تدرج موقف النهضة مِن التمسّك بالاستقرار الحكومي وببقاء يوسف الشاهد الى التخلي عنه على مراحل".
وفي تصريح يستبطن رفع النهضة غطاءها السياسي عن يوسف الشاهد قال الشكندالي لميدل ايست أونلاين "رأيي أن النهضة مرشحة لتغيير موقفها".
ويرى مراقبون أن النهضة بخسارتها لمعركة أزمة يوسف الشاهد خسرت أيضا علاقتها بالنداء وأيضا بالرئيس السبسي نتيجة مناوراتها طيلة مسارات الاجتماعات، لافتين إلى أنها لن تتمكن من تحمل عبء وتداعيات نوع من القطيعة مع الطرفين.