فاجعة قرقنة تطيح بوزير الداخلية التونسي

قرار رئيس الحكومة التونسية بإقالة وزير الداخلية يأتي بعد أربعة أيام من كارثة بحرية هلك فيها 66 مهاجرا غير شرعي لدى غرق قارب يقل 180 مهاجرا باتجاه صقلية.

وزير الداخلية يقيل 10 مسؤولين أمنيين قبل قرار اقالته
الشاهد يتهم أمنيين بالتقصير في مواجهة الهجرة غير الشرعية
الشاهد ينتقد عدم انتباه الأمن لتجمع ضخم للمهاجرين السريين
ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية عبر تونس

تونس – أعفى رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الأربعاء وزير الداخلية لطفي براهم من مهامه وكلف وزير العدل غازي الجريبي بمهام وزير للداخلية بالنيابة.

ويأتي قرار الشاهد بعد 4 أيام من حادث غرق مركب لمهاجرين غير نظاميين قبالة السواحل التونسية راح ضحّيته 66 شخصا.

وجاءت إقالة براهم في أعقاب لقاء الرئيس الباجي قائد السبسي بقصر قرطاج كل من الشاهد ونورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وعبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع وخميس الجهيناوي وزير الشؤون الخارجية.

وتم تعيين براهم في منصب وزير للداخلية في سبتمبر/أيلول 2017 خلفا للهادي المجدوب.

وكان الوزير المقال يشغل في السابق منصب قائد الحرس الوطني (الدرك) وهو متخرج من الأكاديمية العسكرية في تونس.

كما تقلد العديد من المناصب المركزية منها الإدارة العامة للحرس الوطني (الدرك) ورئاسة عدة مناطق وأقاليم في جهاز الدرك، إضافة إلى إدارة المرصد الوطني للسلامة المرورية.

وكان وزير الداخلية قد أعفى قبل ساعات من اعفائه من منصبه، 10 مسؤولين أمنيين من مناصبهم على خلفية حادث غرق مركب المهاجرين غير الشرعيين.

ويتوقع خبراء أن تطيح كارثة قرقنة بقيادات أمنية وفق ما ستسفر عنه التحقيقات التي باشرتها السلطات.

ووصف عبدالرحمن الهذيلي رئيس المركز التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حادثة غرق مركب الهجرة بأنه مأساة إنسانية.

ولم يستبعد تورط أمنيين في حادثة قرقنة، مشيرا إلى أنه تركزت خلال السنوات الأخيرة شبكات مافيوزية وسماسرة تتولى التغرير بالشباب التونسي وتؤمن لهم رحلات عبر قوارب صغيرة.

وفي ظل غياب إحصائيات دقيقة يقدر الخبراء عدد المهاجرين غير الشرعيين التونسيين خلال السنوات الثمانية الماضية بنحو 38 ألف شاب وشابة.

ويحصي الخبير معز الغريبي الباحث في المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية 26700 شاب هاجروا بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا منذ العام 2011.

وأكد الغريبي لميدل ايست أونلاين أنه تم إحباط 900 عملية هجرة أنقذت الآلاف من الشباب من الموت.

وأوضح أنه إذا ما أحصينا أن كل عملية تعد 20 مهاجرا وهو متوسط عدد المهاجرين عبر كل قارب موت نستنتج أن السلطات أحبطت هجرة نحو 20 ألف شاب.

ويرى الغريبي أن ظاهرة الهجرة السرية التي تحولت إلى ثقافة لا يمكن معالجتها فقط معالجة أمنية وإنما تستوجب خطة استراتيجية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

وقال مراد التركي الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس إن وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس تولى اليوم الأربعاء "فتح بحث تحقيقي حول ما راج من وجود تواطئ أمني في عملية الإبحار خلسة".

وقال التركي إن قاضي التحقيق الأول بالمكتب الرابع بنفس المحكمة قد تعهد بالحقيق في القضية، مشيرا إلى ما راج على مواقع التواصل الاجتماعي من تدوينات متعددة حول "تواطئ في عملية الإبحار بقرقنة انتج فاجعة قرقنة وهي موضوع القضية التحقيقية بذات المكتب المذكور".

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي التونسية بالعشرات من التدوينات التي اتهم فيها  نشطاء جهات أمنية بالتواطئي في الكارثة.

وزير الداخلية المقال لطفي براهم
اقالة براهم لن تحل واحدة من المعضلات التي تواجهها تونس

ويرى خبراء أن اقالة براهم تعد إقرارا ضمنيا بفشل السياسات الأمنية في مواجهة الهجرة غير الشرعية مشددين على أنه مهما كانت جهود الأجهزة الأمنية فإن إقالة وزير وتعيين آخر لن تحل المشكل ولن تمنع الآلاف من الشباب العاطل من ركوب قوارب الموت.

ووفق بيان لمنظمة الهجرة الدولية، صدر الاثنين الماضي، فإن 180 مهاجرا غير شرعي حاولوا ليلة السبت الأحد، عبور المتوسط إلى السواحل الأوروبية على متن قارب صيد وغرق منهم 66 إثر انقلاب قاربهم.

وذكرت المنظمة أن هذه المأساة تأتي في الوقت الذي أحصت فيه وصول 1910 مهاجر قادمين من تونس بحرا إلى إيطاليا بين الأول من يناير/كانون الثاني و30 أبريل/نيسان مقابل 231 مهاجرا خلال الفترة نفسها في 2017.

وتمثل جزيرة قرقنة (جنوب) منصة انطلاق لقوارب الهجرة غير النظامية من سواحل تونس نحو أقرب نقطة من السواحل الإيطالية بجزيرة صقلية .

وأظهرت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (تابع للرئاسة التونسية)، مؤخرا، أن السلطات التونسية تمكّنت من ايقاف حوالي 20 ألف مهاجر غير شرعي خلال 7 سنوات.

وتزايدت معدلات الهجرة غير الشرعية عبر تونس، منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، مستغلة الغياب الأمني آنذاك، لكنها سرعان ما تراجعت بعد تشديد السلطات الخناق على منظمي هذه الهجرة غير القانونية.

وقال مسؤول في وزارة الداخلية التونسية الأربعاء إن قوات خفر السواحل أوقفت منذ بداية هذا العام وحتى نهاية مايو/أيار نحو ستة آلاف مهاجر أثناء محاولة الوصول إلى إيطاليا عن طريق القوارب وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة ببضع مئات فقط في نفس الفترة من العام الماضي.

وقال خليفة الشيباني المتحدث باسم الداخلية "منذ بداية هذا العام وحتى نهاية شهر مايو أوقفنا حوالي ستة آلاف مهاجر كانوا يحاولون الإبحار خلسة باتجاه إيطاليا مقارنة ببضع مئات في نفس الفترة من العام الماضي".

وأضاف "رغم سوء الأحوال الجوية في الأشهر الأولى من هذا العام اعتقلنا ستة آلاف بينما بلغ العدد خلال كامل العام الماضي حوالي ثمانية آلاف".

وكان مركب الصيد المتهالك الذي غرق مكتظا بحوالي 180 مهاجرا أغلبهم تونسيون كانوا يحاولون الهروب من شبح البطالة والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح بلدهم منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في عام 2011.

وانتقد الشاهد الثلاثاء عدم انتباه القوات الأمنية لتجمع مثل هذا العدد من المهاجرين الذين أبحروا في مركب متهالك باتجاه إيطاليا.

وقال ناجون إن ربان السفينة تركها عندما بدأت في الغرق كي لا يقع بين أيدي قوات خفر السواحل.

ولا تزال ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الأفارقة في المقام الأول بسبب الفوضى التي تشهدها، لكن مهربي البشر يستخدمون أيضا تونس بشكل متزايد مع تشديد الرقابة من جانب خفر السواحل الليبي بمساعدة جماعات مسلحة والاتحاد الأوروبي.

وقال ماتيو سالفيني الذي أدى اليمين وزيرا جديدا للداخلية في إيطاليا يوم الجمعة إن بلاده لن تكون "مخيم اللاجئين في أوروبا" بعد الآن ووعد باتخاذ إجراءات صارمة لتقليص أعداد المهاجرين وإعادة من وصلوا بالفعل.

وتعهد رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي يوم الثلاثاء بشن حملة على الهجرة.