محاولة فاشلة لإنقاذ الإخوان في ليبيا

صمت غربي يصم الاذان عما يحدث في منطقة الهلال النفطي.

الجهات الدولية التي تدعي أنها تتألم لما وصلت إليه التطورات في ليبيا، وقعت في فخ التناقض بعد انقضاض ميلشيات مسلحة بقيادة إبراهيم الجضران على منطقة الهلال النفطي مؤخرا، لأنها وقفت مكتوفة الأيدي أمام الهجوم الذي يرمي إلى المزيد من خلط الأوراق وإعادة الاعتبار لجماعة الإخوان المسلمين.

الميلشيات التي يقودها الجضران، تتألف من جماعات إسلامية درجت على حمل السلاح. تضم الإخوان والقاعدة وداعش وكل من لف لفهم تحت مسميات مختلفة. تقف خلفهم بالدعم والتمويل كل من قطر وتركيا وبعض القوى الغربية القلقة من الانتصارات التي حققها الجيش الليبي على المتطرفين في درنة.

حسم معركة درنة لصالح الجيش الوطني ينهي واحدة من الأساطير التي ظلت لفترة طويلة تثير مخاوف دوائر كثيرة داخل ليبيا وخارجها، حذرت من نتائج اقتحامها حاليا، ويزيل الالتباس حول حقيقة القوة التي كان يتمتع بها ما يسمى بـ "مجلس شورى درنة"، ويفتح الباب على مصراعيه أمام من وقفوا خلفه حتى تضخمت قوته، ويخرج من تحصنوا في الجحور ومن اندسوا في صفوف المدنيين.

الحسم أيضا يكرس قيادة المشير خليفة حفتر، العسكرية والسياسية، ويمهد الطريق لفرض السيطرة على جهات أخرى بعيدة عن الانصياع، ويمثل ضربة قاضية لكل من وظفوا الأزمة، وحاولوا فرض إرادتهم على المشهد العام خلال السنوات المنصرمة. لذلك كان من الضروري البحث عن حيلة لفرملة تقدم الجيش، ومد يد العون للمتشددين، فلا زال دورهم مطلوبا.

الخطاب الذي ظهر على ألسنة إسلاميين منددا بحصار درنة من قبل الجيش الليبي، كشف جزءا معتبرا من مخطط تفويت الفرصة على إنهاء أسطورة درنة. من رفضوا تنظيف هذه المنطقة من الإرهابيين جلهم من المحسوبين على التيار الإسلامي، من نوعية الإخواني خالد المشري رئيس مجلس الدولة، ورفيقه على الصلابي رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي للإخوان، والمتشدد الصادق الغرياني، المقيم في تركيا.

ما حدث في الهلال النفطي، يريد تعطيل المبادرة الفرنسية التي وضعت عملية الانتخابات هدفا محوريا لها. يهدف إلى تغيير القواعد الحالية التي تميل لصالح القوى الوطنية. يحاول جعل جماعة الإخوان وحلفائها رقما أساسيا في المعادلة الليبية، بزعم أن حضورها القوي يضبط الأوضاع، وبدونها قد تختل الكثير من الأمور.

ما جرى يطرح مجموعة كبيرة من الأسئلة الحرجة التي يتم تداولها في أوساط الليبيين. تمثل الإجابة عليها أحد أهم مفاتيح فهم تعقيدات الأزمة المستمرة منذ سنوات، والتي كلما قطعت شوطا نحو الحل وجدت من يعيده إلى نقطة الصفر.

كيف استطاع إبراهيم الجضران، الصادر بحقه أمر توقيف من النائب العام الليبي، السيطرة سريعا على مينائي السدرة ورأس لانوف؟ وأين كانت تتمركز قواته؟ وكيف جرى إعادة تشكيلها وتجهيزها بهذه الدرجة العالية من الكفاءة بما مكنها من الزحف على الهلال النفطي؟

ما هي مصادر السلاح التي قيل أن بينها صواريخ أرض جو، بينما لا يزال الحظر الدولي على تصدير السلاح مفروضا على الجيش الليبي فقط؟ هل يمكن تسليح ميلشيات بأنواع مختلفة من العتاد، وعبر منافذ متباينة، يأتي غالبيتها من الجنوب، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا؟

كيف للجهات التي تراقب الأوضاع في ليبيا عن كثب، برا وبحرا وجوا، أن لا ترى قوات الجضران الكثيفة وهي تتحرك ثم تسيطر على أكثر المناطق أهمية في ليبيا؟ ولماذا تكتفي البيانات الغربية بإدانة الهجوم على الهلال النفطي وتدعو لوقف العنف دون تحديد مصادره؟ وكيف تساوي بين الضحية والجلاد، ولم تطلب انسحاب القوات المعتدية؟

لست بحاجة للوقوف تفصيليا للإجابة على هذه الأسئلة، لأنها تحمل في طياتها تفسيرات تؤكد أن هناك تواطؤا من قبل قوى إقليمية ودولية عديدة، تعمل بكل همة كي يظل الجيش الليبي مستنزفا طوال الوقت. ينشغل باطفاء الحرائق، ويتكبد معاناة في الانتقال من منطقة لأخرى، وتتشتت جهوده وتفشل مهمته في تنظيف درنة من الإرهابيين، وبالتالي منع تقدمه.

واهم من يعتقد أن معركة الهلال النفطي سحبت جزءا من الأضواء المسلطة على درنة، فهي لن تمكن المتطرفين من إعادة التموضع بصورة جيدة، ومن الصعوبة أن تؤثر على معنويات الجيش الليبي، الذي أعلنت قيادته رفض الابتزاز والمساومة على الشرف العسكري، والتصميم على طرد فلول الإرهابيين.

اللعبة التي يستند عليها الجضران وأمثاله، سوف تكشف ملفات مسكوت عنها. قد تحرج من يقدمون أنفسهم على أنهم جزء من الحل، بينما تؤكد التطورات أنهم أحد أسباب الأزمة. وهو ما يفرض على المجتمع الدولي عدم التهاون مع هذه المسألة.

ليبيا لم تتحول بعد إلى سوريا، لكن ما يدور فيها الآن من السهولة أن يقودها إلى نفس المصير. وسوف تواجه القوى التي تحرك الإسلاميين بالوكالة عنها بقوى أخرى مناهضة، تجبرها على تقديم تنازلات وعرة.

الأحداث أثبتت أن كل من يستثمر في التيار الإسلامي تلحق به النيران، وتتفتح في جسده جروح تحتاج وقتا للشفاء. هؤلاء لم يعتبروا من الموقف المصري الذي لقن الإخوان والإرهابيين وداعميهم درسا قاسيا، لأن عملية فرضهم بالقوة خاسرة، ومساندتهم ضد التطور الطبيعي لأي مجتمع.

الأجدى أن تكون المساندة لتوحيد الجيش الليبي الذي يستطيع ضبط الكثير من الموازين في ساحة يتعمد البعض أن تكون مرتعا لميلشيات مختلفة، كي نرى ليبيا غير متسامحة. تستمر في المعاناة، وتصبح منغصا دائما لبعض الجيران، ومفتوحة على كل الاحتمالات القاتمة.

التطورات التي يشهدها الهلال النفطي، تثبت صواب الرؤية المصرية التي قرأت مبكرا الواقع الليبي، وحرصت على تقديم الدعم وضرب الإرهاب وتوفير المزيد من الهدوء والاستقرار. والسعي لتوحيد المؤسسة العسكرية كان نقطة انطلاق رئيسية للتسوية السياسية، وتشكيل حكومة وفاق تشرف على إجراء الانتخابات، والحفاظ على مقدرات وثروات الشعب الليبي.

آن الأوان لتقرأ القوى الغربية الأوضاع في ليبيا بصورة صحيحة. تتخلى عن خطابها المزدوج. تتوقف عن دعم الإرهابيين الذين يسيرون في اتجاه عكس ما تريده القوى الوطنية. وآن الأون لتقوم الأطراف الإقليمية بتحمل المسئولية الجماعية، ولا تنساق وراء مصالح سياسية ضيقة.